شهادة الأستاذ عباس الفاسي |
|
|
وأنا في الطور الابتدائي من التعليم، سمعت باسم الأستاذ عبد الهادي بوطالب، فقد كان ذائع الصيت لكونه أولا أحد العلماء المتخرجين من جامعة القرويين وثانيا لنشاطه كقيادي في حزب الشورى والاستقلال.
وكان أول ما جمعني به تحية وسلاما أثناء تواجده بمقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لإلقاء إحدى محاضراته القيمة، وكان من الضروري لدى الاستماع لمحاضرته، خاصة وأنه كان آنذاك قد ترك حزب الشورى والاستقلال وانخرط في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فرغم أنني كنت رئيست للاتحاد العام لطلبة المغرب فقد وجدت أن موقفي يصادف موقف الأستاذ عبد الهادي بوطالب في الكثير من النقاط، فهو رحمه الله كعالم من علماء القرويين اجتمعت في شخصه كل مواصفات العالم من ثقافة وأدب وتواضع والرغبة في نشر الوعي الديني والوطني، فقد كان موسوعة متكاملة يشارك في كل الأنشطة بندواته ومحاضراته حتى داخل المساجد.
وإضافة إلى ذلك، فقد كان له شأن كبير في مجال التأليف إذ له مؤلفات كثيرة في مختلف المجالات السياسية منها والقانونية والدينية، إضافة إلى العمل الصحافي الذي للفقيد الفذ باع طويل فيه، خاصة مقالاته الأسبوعية في جريدة حزبه.
تحمل الأستاذ عبد الهادي بوطالب عدة مسؤوليات جسيمة، ونجح في كل مأمورياته وأبان عن كفاءة ومرونة كبيرتين، فكان وزيرا في أول حكومة بعد الاستقلال واستطاع بحكمته المشهود له بها أن يكون علاقات جيدة مع الطبقة الشغيلة، ويحتفظ بها، كما تحمل مسؤولية وزارات متعددة نذكر منها وزارة العدل، وأود أن اشير في هذا الصدد إلى أن الفريق الاستقلالي بمجلس النواب في بداية الستينات تقدم بمقترح قانون يرمي إلى تعريب وتوحيد ومغربة القضاء، وشاءت الأقدار أن يكون على رأس وزارة العدل آنذاك الأستاذ عبد الهادي بوطالب، الذي كان من أنصار التعريب وتقوية اللغة العربية، مع العلم أنه تعلم اللغتين الفرنسية والأنجليزية ليتمكن من مسايرة الأحداث العالمية، فساهم بشكل كبير في إنجاح هذا المقترح الذي لا نزال نعيش نتائجه خاصة في مجال محاضر رجال الدرك والشرطة التي تكتب وجوبا باللغة العربية.
وفي المجال الدبلوماسي، كان له نصيبه الوافر أيضا إذ تولى مهام دبلوماسية عديدة كسفير لجلالة الملط في سوريا والولايات المتحدة الأمريكية وأظهر في عمله حنكة كبيرة كمدافع صلب وقوي عن مصالح المغرب العليا.
وكان ختامه مسك، إذ توج مساره الطويل الناجح بتفضل جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني رحمه الله بتعيينه مستشارا لجلالته.
وأود في الأخير أن أشير إلى أن الأستاذ عبد الهادي بوطالب من الشخصيات المرموقة القليلة التي نشرت مذكراتها، ذلك أن أغلب الشخصيات المؤثرة لم تنشر مذكراتها وبذلك تكون قد حرمت الأجيال المتعاقبة من معرفة جزء غير يسير من تاريخها النضالي وتاريخ المغرب بصفة عامة.
رحم الله فقيدنا العزيز وجزاه الله أحسن الجزاء على ما قدمه لوطنه وبلاده. |
![]() |
بين الشريعة والفقه والقانون (الحلقة 3) الجمعة 21 مارس 2025 |
![]() |
بين الشريعة والفقه والقانون (الحلقة 2) الخميس 20 مارس 2025 |
![]() |
بين الشريعة والفقه والقانون (الحلقة 1) الأربعاء 19 مارس 2025 |
وحدة العالم الإسلامي بين النظرية والتطبيق (الحلقة 3) الجمعة 14 مارس 2025 |
وحدة العالم الإسلامي بين النظرية والتطبيق (الحلقة 2) الخميس 13 مارس 2025 |