الخميس 21 نوفمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

(عبد الهادي بوطالب باني الإيسيسكو)

في كتابه الذي يحمل عنوان، "ثلث قرن في يونسكو العالم الإسلامي" وثائق ومذكرات، نشر الأستاذ عبد القادر الإدريسي، مقالا له، قام بنشره في جريدة "الصحراء المغربية" بطلب من مديرها، وزير الدولة مولاي أحمد العلوي، مقالا عنوانه "عبد الهادي بوطالب باني الإيسيسكو". هذا المقال، تم نشره يوم 30 من شهر نونبر 1991، حيث أعلن الأستاذ عبد الهادي بوطالب في الدورة الثانية عشرة للمجلس التنفيذي للإيسيسكو في الرباط، عدم تجديد ترشيحه لمنصب المدير العام.

وفاء للراحل الأستاذ بوطالب، كتب الأستاذ عبد القادر الإدريسي هذا المقال، وهو الذي عاشر لسنوات الأستاذ بوطالب، باعتباره واحدا من أسرة الإيسيسكو، حيث قضى الأستاذ الإدريسي بهذه المنظمة حوالي 34 سنة من العمل المتواصل مع مدرائها العامين، من الأستاذ عبد الهادي بوطالب، إلى الأستاذ عبد العزيز بن عثمان بالتويجري، إلى قضاء بعض الشهور مع مديرها الجديد الدكتور سالم بن محمد المالك.

 وفيما يلي نص هذا المقال :

"تقوم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، سواء على المستوى الدولي، أو على صعيد العالم الإسلامي، صرحا شامخا من صروح العمل الثقافي الإسلامي ذي الأبعاد الحضارية الإنسانية، يؤكد الهوية الفكرية للمجموعة الإسلامية، ويرسخ قيم التسامح والتعاون والتضامن، ويخدم أهداف الأمن الثقافي والتربوي الذي يستجيب لتطلعات الإنسانية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العالم.

وإذا كانت الإيسيسكو ثمرة للتضامن الإسلامي الذي انبثق من مؤتمر القمة الإسلامي الأول الذي دعا إليه الملك الحسن الثاني في سنة 1969، فإن تأسيس هذه المنظمة الإسلامية الدولية ووضع قواعدها الهيكلية وإقامة بنائها الإداري والوظيفي على أحدث أسس البناء المتكامل للمنظمات الدولية، كل ذلك يعود إلى المؤهلات العالية التي توفرت للشخصية التي اختارتها الأمة الإسلامية لتكون على رأس هذه المنظمة منذ تأسيسها في عام 1982، والتي استطاعت أن تنجز خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا، ما لم تنجزه منظمات دولية أخرى في عقود من الزمن.

إن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة مدينة في نموها وتطورها وتقدمها لمديرها العام المؤسس الأستاذ عبد الهادي بوطالب، الذي وفق إلى أبعد الحدود في فتح الأبواب أمام هذه المنظمة، لتنتقل في ظرف وجيز إلى هذا المستوى الرفيع من الضبط والحزم في الإدارة، وإلى هذه الدرجة الراقية من الحكمة والتبصر في الإنجاز، وإلى هذا الحجم الكبير من الانتشار والتوسع في الحركة، حتى صارت قلعة شامخة قوية البنيان من قلاع الثقافة الإسلامية المتفتحة على الثقافات الإنسانية التي تخدم الأهداف السامية والمثل العليا والمبادئ المقدسة.

لقد قدم عبد الهادي بوطالب للعالم الإسلامي، من خلال الجهد الدؤوب والموصول الذي بذله على رأس المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ما دفع بالأمة الإسلامية إلى تحقيق مستوى من النمو الحضاري الذي يتمثل اليوم في الدور الرائد الذي تقوم به الإيسيسكو على جميع المستويات التربوية والعلمية والثقافية، في دائرة الالتزام الكامل بما يقره المؤتمر العام الذي يضم وزراء التربية والتعليم في الدول الأعضاء، من برامج تغطي جميع مناطق العالم الإسلامي، وتستجيب لحاجات الشعوب الإسلامية وهي تتطلع إلى استكمال أدوات النمو تربويا وعلميا وثقافيا.

لقد بدأ عبد الهادي بوطالب العمل في الإيسيسكو من فراغ، واستطاع أن يقيم البناء على أساس متين، حتى صارت الإيسيسكو إحدى المنظمات الفاعلة داخل دائرة منظمة المؤتمر الإسلامي، وأصبح نشاطها يمتد من الفلبين إلى السنغال، شاملا برامج محو الأمية والتعليم الأساسي، ونشر اللغة العربية، وتكوين المعلمين والأساتذة، وتجهيز المختبرات العلمية، وإنشاء المكتبات، وفتح الفصول الدراسية، ودعم الثقافة الإسلامية، ومواجهة تيارات الغزو الفكري، والعناية بالمخطوطات، وإقامة الندوات والحلقات الدراسية حول قضايا العصر، والاهتمام بتوجيه الشباب والمرأة والطفل، وتوحيد مناهج التاريخ الإسلامي والتربية الإسلامية وجغرافيا العالم الإسلامي، ووضع استراتيجيتين : الأولى للتربية الإسلامية والثانية للثقافة الإسلامية، إلى جانب تقديم المنح الدراسية إلى الطلبة من مختلف البلاد الإسلامية، وتوفير الدعم المادي والفني والأدبي للدول الأعضاء التي تعاني من الخصاص في مجال التربية والعلوم والثقافة.

ولقد دفع عبد الهادي بوطالب هذه المنظمة الإسلامية الدولية، التي يستعد اليوم لمغادرتها، في الاتجاه الذي يقربها من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وذلك على الرغم من قلة الموارد المالية، وعدم وفاء معظم الدول الأعضاء بالتزاماتها تجاه الإيسيسكو. وهو إنجاز عظيم حققه المدير الأستاذ عبد الهادي بوطالب بجهده الذي لم يعرف الكلل، وبعزيمته التي لم يعتورها ضعف، وبحكمته وحسن تبصره، وبتدبيره وتسييره وإدارته العلمية التي لم ينل منها ضعف الوضع المالي للمنظمة، وبذلك فإن عبد الهادي بوطالب يستحق تقدير العالم الإسلامي كله، لأنه عمل طيلة تسع سنوات لما فيه الخير والازدهار الحضاري والتقدم للعالم الإسلامي.

ولقد عشت أربع سنوات قريبا من الأستاذ عبد الهادي بوطالب، فرأيت فيه المدير القدير، والمسؤول الحكيم، ورجل الفكر الحصيف، والسياسي المحنك، يضع نصب عينيه مصالح الأمة الإسلامية في المقام الأول، شديد الإخلاص للرسالة التي يحملها، عظيم الوفاء لقيم أمته الإسلامية، عميق الولاء للأهداف التي قامت الإيسيسكو أساسا للعمل من أجلها.

ولقد رأيت في الأستاذ عبد الهادي بوطالب الحكمة والحنكة والحزم والعزم وقوة الإرادة والدأب على العمل ومواصلة الإنجاز دون انقطاع، وهي خصال لم أر لها مثيلا فيمن عرفت وعايشت من الرجال الأفذاذ.

وهو ما يمثل ذروة العطاء لتقوية العمل الإسلامي الدولي على قاعدة الفهم المستنير والوعي البصير والإدراك الرشيد والعلم الواسع.

لقد كسب العالم الإسلامي كثيرا خلال السنوات التسع التي قضاها عبد الهادي بوطالب على رأس المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، مديرا وعاملا بكل الإخلاص والوفاء لما فيه تقدم الأمة الإسلامية وتطورها وازدهارها في مجالات شديدة الحيوية تتصل ببناء الإنسان وتكوينه وإعداده لخوض غمار معارك المستقبل مزودا بالعلم وبالثقافة وبالقيم الحضارية الخالدة.

إن اسم عبد الهادي بوطالب أصبح مرتبطا بالإيسيسكو. وهذا وحده يكفي للتأكيد على الدور الريادي الكبير الذي اضطلع به الفكر السياسي والمنظر المسلم الأستاذ عبد الهادي الذي هو مفخرة للمغرب أية مفخرة.

وكنت أعبر في مقالي هذا عن شعور عام لا يختلف أحد حول صدقه وتغلغله في النفوس داخل الإيسيسكو وخارجها، في المغرب وفي العالم الإسلامي. فالأستاذ بوطالب علم من الأعلام وقطب من الأقطاب، كان، رحمه الله، رجل دولة من الطراز الرفيع.

الأربعاء 31 ماي 2023

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي