الخميس 21 نوفمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شهادة الدكتور حميد لشهب

عبد الهادي بوطالب والعولمة

 حميد لشهب

لا أخفي بأن المجهودات الجبارة التي أظهرها أستاذنا الجليل في نقده للعولمة كانت من الأسباب الرئيسية التي ربطتني من جديد بإنتاجاته الفكرية. فقد كنت من الأوائل الذين اطلعوا على كتاب النمساوي هانس بيتر مارتين Hans Peter Martin: "فخ العولمة" عند صدوره عام 1997 في نسخته الأصلية بالألمانية. وعلى الرغم من أهمية الوصف العام للعولمة الذي قام به، وكذا المقترحات التي جاء بها لإصلاح مجرى العولمة، فإن هناك ثغرات في هذا الكتاب. ما ينقص هو وجهة نظر مفكر خارج البلدان التي نظرت للعولمة بهذا الشكل ككتابي: "العالم ليس سلعة" و "نحو عولمة أخرى أكثر عدلا وإنسانية" للأستاذ بوطالب. ولاهتمام ذ. بوطالب بقضية العولمة مدخلين: اهتم أول ما اهتم به بالتفريق الدقيق بين مصطلح "العالمية" و"العولمة"، يقول: "تعني العالمية النزعة إلى إفساح الفضاء العالمي للإنسان وإخراج ممارسته وأفكاره وتوجهاته من محيطها الضيق (الموطن أو المولد) إلى فضاء رحب، ينتقل عبره الإنسان، كل إنسان، بلا قيود ولا حدود، ليصبح عاملا مؤثرا ومتأثرا بالمحيط العالمي كله. ويمضي التوجه في العالمية إلى حد الحلم بأنه ينبغي أن تكون بديلا للمواطنة وعالم الحدود والجنسيات وفكرة الوطن الواحد والدولة الواحدة ليصبح العالم كله للإنسان وطنا شاسع الأرجاء" (ص 23).

 

أما العولمة فهي: "نظام متكامل لا يترك الفاعل فيه للمفعول به المراد صياغته على نمط الفاعل أي اختيار" (ص 29).

 

وهذا التمييز الدقيق بين العالمية والعولمة ضروري جدا لمن أراد فهم ميكانيزمات ظهور وتطور المصطلحين. فالأولى قد تظل مثالا ومبتغى للبشرية على اعتبار أن تحقيقها صعب المنال في الظروف الراهنة، أما الثانية فإن التطبيقات الأولية لها توحي بأنها لا تعبر بالضرورة عن تطور إيجابي للعنصر البشري، بقدر ما تضمر نوايا الهيمنة لمهندسي هذا النمط في حكم العالم.

 

ما يميز العولمة الحالية، كما يؤكد على ذلك أ. بوطالب، هو أمركَتُها وفرضها بالقوة تقريبا وعدم إحالتها على موافقة، بل أتت من الأعلى، مملاةٍ من طرف الإدارة الأمريكية لكي تعيد تنظيم العالم طبقا لمصالحها.

 

سوف لن أستفيض في هذه النقطة، وأحيل غلى تصفح صفحات هذا الكتاب القيم، لأمر إلى بعض نقط نقد العولمة التي قام بها مركزا بالخصوص على تأكيده بأن أكبر الأخطار التي تمثلها العولمة في حلتها الراهنة هي أنها تتناقض ومبدأ الديمقراطية، كما نعهدها في الإرث الغربي وبالخصوص ابتداء من عصر الأنوار ومحاولات بناء دولة الحق والقانون، حيث يحكم الشعب نفسه بنفسه.

 

زيادة على هذا، ينبه د. بوطالب إلى خطر تركيز خيرات العالم على حفنة من المقاولات العالمية –أغلبها أمريكية- وتوجيه السوق العالمية طبقا لمصالحها وأيديولوجياتها. وينتج عن هذا المنطق الإمتلاكي رمي ملايير من البشر في سلة مهملات الإقتصاد العالمي ليعيش أكثر من ثلثي سكان العالم بأقل من دولارين في اليوم واستفحال كل ما يمكن تصوره من المشاكل الإجتماعية. هذا التوجه الإمتلاكي غير صحي وغير إنساني في نظر أستاذنا، لابد والحالة هذه من رفضه وعدم القبول به. وقد لا أبتعد عن الحقيقة عندما أؤكد على أن هذا الرفض هو شرط أخلاقي عند أستاذنا، ما دام لا يتطابق وروح بداهة العقل الإنساني في التضامن والرأفة بالضعيف وعدم سلبه لا سبل عيشه وكرامته.

 

يقول د. بوطالب بالحروف: "وليس تعدديا (أي نظام العولمة) لأنه يعتمد خيارا وحيدا هو خيار نظام السوق، وحرية التبادل وتحرك رأس المال بلا قيود. وحين لا يترك هذا النظام للعالم إلا هذا الخيار، فإنه يفرض عليه نظاما أحاديا غير قابل للنقاش، ناسفا بذلك كبدأ التعددية إن لم يكن قانونيا ففعليا" (ص 91).

 

بمعنى أن جوهر المجتمع البشري في خطر، لأن التعددية لا تنحصر فقط على مبدأ السوق بل تتعداه لتشمل ميادين أخرى، وهنا يلتقي أ. بوطالب مع أحد أعمدة الفكر الألماني الحاليين د. فونك، الذي انتقد بشدة في كتابه الأخير "الأنا والغير" أخطبوطية أيديولوجية العولمة التي تحاول تقليص التنوع الثقافي والحضاري الإنساني في نموذج وحيد، لا يمكن اعتباره بالضرورة قدوة ولا مثالا!

 

لم يكتف بوطالب بعرض العولمة وشرحها ونقدها بل حاول الذهاب إلى أكثر من هذا لكي لا يكون نقده نقدا من أجل النقد. فقد حاول تقديم بديل للعولمة الحالية ليلتقي بالكثير من منتقديها، منبها بأن سخط هؤلاء المنتقدين لم ينحصر في التظاهرات الشعبية، بل أن الكثير من المفكرين حملوا على عاتقهم التنظير والتفكير في البديل الحقيقي للعولمة الحالية. وهنا بالضبط يكمن بيت القصيد، ذلك أن المرء يشعر وهو يتأمل نصوص د. بوطالب في هذا الميدان باستيقاظة ضمير أخلاقي إنساني وهاج، يطمح لإصلاح المجتمع الإنساني على أسس ومبادئ تأخذ بعين الاعتبار الجنس البشري برمته وليس فقط فريقا منه. وبهذا أسمح لنفسي أن أقول بأن أستاذنا يدخل عالم العالمية من بابه الواسع ويصبح بهذا من بين المواطنين العالميين البرار، الذين يحاولون بناء إنسانية أكثر إنسانية وأقل عدوانية في محاولة لإبدال مقولة: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" بمقولة: "الإنسان أخ لأخيه الإنسان" بغض النظر عن الموطن والأصل واللغة واللون والعقيدة إلخ.

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي