السبت 19 أبريل 2025
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شهادة الأستاذ محمد بنعيسى وزير خارجية المغرب السابق الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة

عبد الهادي بوطالب، جسر فوق نهر التاريخ يربط بين ضفتي الماضي والمستقبل

الأستاذ محمد بنعيسى

    وزير سابق

الأستاذ عبد الهادي بوطالب حلقات سير متناغمة، متعانقة ومتكاملة :

-   سيرة المناضل الوطني من أجل حرية الوطن واستقلاله، والمكافح السياسي من أجل حرية المواطن وكرامته، واستقلالية ضميره.

-   سيرة المؤمن بربه والمخلص لوطنه وملكه.

-   سيرة الأديب المبدع الطليعي، صاحب "وزير غرناطة".

-   سيرة العالم الأصيل، والمثقف الموسوعي، الجامع بين طرفي النبوغ وشجاعة الاقتحام الثقافي للعوالم والأفكار.

-   سيرة رجل الدولة، المتمرس، المتمكن، البارع، الملتزم بالخط الأخلاقي للعمل السياسي.

كل هذه السير كتاب مفتوح، ودراسة تتسع لكل أشكال التحليل الأدبي، والفكر السياسي، وتجليات الوجدان الوطني والإنساني. لذلك أقدم الاعتذار في البداية لقصوري عن الإحاطة ببعض أو كل هذه الآفاق الخصبة لحياة الرجل وسيرته، وأثره وتأثيره، ومكانته وإشعاعه. ولعلني أجد العذر لهذا القصور بأن الرجل متغلغل في ثنايا وأعماق ذاكرتي الثقافية، ووجداني الوطني والإنساني، وشغفي الذي لا أكتمه بهذا النموذج، المثال.

وإذ أحاول برهبة، ولكن بجسارة تلميذ يقتفي أثر أستاذه في تسلق الجبال، وارتياد آفاق التعرف على خصائص ومزايا وفضائل الرواد والرجال، أحاول أن أقرأ سطورا من الكتاب المفتوح، كتاب الطليعة، كتاب سيدي عبد الهادي بوطالب، فإنه بالنسبة لي كواحد من جيل يقاس عمره بما حفل به تاريخ المغرب الوطني والسياسي والثقافي من تغيرات وأحداث، وتطورات، تختصر بكثافتها واندفاعها وحيويتها الدافقة تواريخ أجيال وأمم، وأقول حتى حضارات. بالنسبة لي فإن الأستاذ عبد الهادي بوطالب، المثقف، العالم، المكافح الوطني، المربي، رجل الدولة والمهمات والمسؤوليات، يمثل بكل المقاييس، رجل الطليعة، الرائد، الموهوب، الزعيم الثقافي لانتفاضة ويقظة أمة صنعت بقيادة ملكها الوطني المناضل وما تزال تصنع تاريخها الجديد المتجدد بالكفاح السياسي، بالجهاد الوطني، أمة نزعت أسمال الوهن، واندفعت، وانطلقت تمخر عباب الحياة والمستقبل، بكل مكوناتها وقدراتها، وبجميع فصائل وكتائب تنوعها وثراء رصيدها الحضاري فوجدت قيادة تمسك بمهارة، وحنو، وجلد، وعبقرية دفة الزوق يتهادى في بحر هائج. هنا كان الأستاذ عبد الهادي بوطالب، وكان دوره، وكانت رسالته هي مؤشر البوصلة في ذلك الزورق، وقياس قوة الرياح، واستشفاف الهدف وسط السحب. كان الأستاذ عبد الهادي بوطالب في طليعة مسيرة الجهاد الوطني، والكفاح السياسي عالما قرويا أصيلا، ومثقفا متفتحا مجددا متجددا، ومناضلا صلبا غيورا، استطاع أن يطبع التاريخ السياسي للمغرب بطابع خاص، وأقول إن الأستاذ عبد الهادي بوطالب استطاع بالموهبة، والفراسة، والشجاعة، والذكاء، والدأب، والإحاطة الواعية العميقة بجوهر القوة الدافعة للتاريخ، أن يثقف السياسة بدل أن يسيس الثقافة وأن يعقلن الحماسة بدل أن يهيجها. سيدي عبد الهادي بوطالب سيرة ومسيرة رائد من أولئك الرواد الذين حينما تفتر الهمة الحضارية لامة يكمنون في رحمها جنينا حالما ليبرزوا روادا لانبعاثها. عبد الهادي بوطالب أجده وأراه جسرا فوق نهر التاريخ الوطني يربط بين ضفتي الماضي والمستقبل.

فهو أحد أبرز المؤسسين، تنظيريا وسلوكيا، لتقاليد وقيم وقواعد العمل السياسي كعمل تمارسه نخبة متنورة، مثقفة، متحررة، ترقى بالعمل السياسي إلى مستوى القداسة الروحية، والشفافية الفكرية، والطهارة الوطنية. وبذلك فإن العمل السياسي بهذه المواصفات، هو ما يحتاجه المغرب للدخول به وبالأمة إلى عصر الحرية والديمقراطية والحوار، عصر يبشرنا به، ويعدنا لاقتحامه، ويفتح لنا كل الأبواب لولوجه، ملك الوحدة والتنوير جلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله.

عبد الهادي بوطالب كان أستاذا لجلالة الملك الحسن الثاني، ثم أصبح الأستاذ عبد الهادي بوطالب تلميذا في مدرسة الحسن الثاني، وهو بين الحالتين كان الأستاذ الذي يجيد التلقين بمهارة المربي ويتفنن في استيعاب واستظهار دروس التكوين. فهو دوما العالم المجتهد، الباحث، يتعامل مع الزمن لا مع الأحداث، مع الأفكار الأصيلة لا مع النزوات أو الأوهام العليلة. فتاريخه السياسي تاريخ أفكار وإبداع، وصولات فارس سلاحه الثقافة، لذلك لن تجد له خصوما سياسيين، ولكن أندادا ثقافيين يشهدون له بالريادة، ويعترفون له بالتضلع.

البعد الآخر لشخصية عبد الهادي بوطالب وحضوره المشع في حياة المغرب المعاصر، هو البعد النضالي في الحركة الوطنية قبل الاستقلال، وفي معترك الحياة السياسية بعد الاستقلال. هذا البعد النضالي يتميز بالنضج، والشهامة، والشجاعة، والصراحة. وطنية غيورة، سمحة، متحضرة. وطنية أنيقة فيها إشراقات الشاعرية، وروحانية الصوفية، وجلال العالمية، والحرمة الثقافية. هذه الأناقة الوطنية جعلت من الأستاذ عبد الهادي بوطالب في أعين الشباب والمثقفين مثالا جذابا للمناضل السياسي، ورجل الدولة. فهو دوما الرجل الأنيق، الشاب الرقيق، يعبق كوردة، ويعيش ربيعا كنسمة. وإن وصفت الشجاعة بالاندفاع والجسارة فقد جسدها الأستاذ عبد الهادي بوطالب في مواقفه وآرائه كالتزام أخلاقي، وشموخ ثقافي، وإباء وطني. يتنقل في المواقع كمفكر ملتزم، ولكنه لا يتقلب في الأفكار، فهي خط السير الذي لا اعوجاج ولا نتوء فيه، من أول خطوة على طريق النضال إلى الآن. يقول مثل قديم "الكبار يغيرون المناصب، والصغار تغيرهم المناصب"، وإن أستاذنا دوما يغير المناصب. هكذا ترك بصماته وتميزه على كل المحطات التي مر بها في خط سيره النضالي والسياسي والثقافي.

هو شجاع حينما يتخذ القرار، وحينما يعلنه، وحينما يلتزم به ويشرحه ويدافع عنه. هذه الشجاعة نجدها في العديد من المواقف في حياته السياسية : حينما ترك الأستاذ عبد الهادي بوطالب حزب الشورى والاستقلال، وانخرط مؤسسا فعالا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحينما ترك هذا التنظيم السياسي واختار مواقع أخرى دون أن يغير أفكاره والتزاماته. كان يقول : "لا" حيث يجب أن تقال، ويقول "نعم" في اللحظة نفسها. لا يفعل ذلك تحت تأثير مشاعر وانفعالات التحدي أو المجابهة، ولكن يقول لا أو نعم لنفسه ومع نفسه، لأفكاره ومع أفكاره. خط متين من الانسجام الفكري والخلقي يربط أفكاره مع أفعاله، وقناعاته مع مواقفه.

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي