شهادة فاطمة الجامعي الحبابي أستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية |
![]() |
|
فاطمة الجامعي الحبابي أستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس – الرباط عبد الهادي بوطالب بين جبهة السياسة وجبهة الفكر
إن احتفاءنا اليوم هو احتفاء بنابغة أبهر ممتحنيه من كبار مشايخ المغرب في الدرس الجامعي الذي ألقاه في حضرتهم سنة 1943 للحصول على شهادة العالمية، فاستحق بذلك إعجاب المغفور له محمد الخامس الذي سلمه الشهادة بيده الكريمة وبتوقيعه الشريف، كما استحق تكريما آخر من جلالته حيث ضمه إلى النخبة التي حملها أمانة تعليم صاحب السمو الملكي ولي عهده آنذاك الأمير الجليل مولاي الحسن.
سيدي عبد الهادي بوطالب ظاهرة قلما تتكرر. إن المتجول في درب حياته المتأجج بالنشاط والحيوية والفعالية يشهد عن كثب تربعه قمتي الفكر والسياسة. فعلى عكس العديد من الذين وضعوا سلاح القلم، إن طوعا أو كرها، لتوليهم مهام ومسؤوليات إدارية، إن "كرية" السياسة التي تعتبر إحدى مكونات الدم الذي يجري في عروق صاحبنا لم تقض على مفعول الكريات الأخرى، ولم تضعف مواهبه في الكتابة والخلق. بل ما تلبث السياسة الفاعل الذي ينعش خلاياه كلها. تراه يفكر بالسياسة ومن أجل السياسة، كما يكرس جهوده السياسية لخدمة الفكر الإنساني والقضاء على التخلف الذي ينخر جسم الأمة العربية والإسلامية. إن وقوفه بانتصار على الجبهتين، جبهة السياسة وجبهة الفكر، في موسوعية وانسجام هو ما جعله يتبوأ مكانا بارزا بين نخبة لا يتجاوز كمها عدد أصابع اليد، نخبة من زملاء منهم من عز علينا فراقه بتوديعه إلى مثواه الأخير، وإن كان ذكرهم لا يفارق مجالسنا، وتشهد أعمالهم بما كتب لهم من جزاء في الدارين، ومنهم من نسعد بوجودهم بيننا شعلة وضاءة، أطال الله بقاءهم وزادهم من توفيقه حتى يحققوا مساعيهم الحميدة لتخليص أمتنا من الطوفان الذي يهددها في أنظمتها ونظمها، في فكرها وهويتها، في حضارتها العريقة.
لا الوظائف العليا ولا المناصب الوزارية المنهكة تستطيع أن تحجب طيف الأشعة المتدفقة، أو تكسر حزمها عند من جبلوا على الخلق بطاقة ديناميكية كبرى، ذلك ما يجعل من شخصية الأستاذ عبد الهادي بوطالب شخصية متميزة من بين أعلام التأليف والتنظير.
لقد خاض غمار معارك الحياة السياسية الشاقة منذ سن مبكرة وهو ما يزال تلميذا بجامعة القرويين، فتجند على الصعيدين السياسي والثقافي، وصارع على الحلبتين مستغلا إمكاناته الفكرية ودهاءه السياسي.
كان للممارسات السياسية المبكرة التي تجسدت في الكفاح الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، الأثر البالغ على صلابة شخصيته، كما كان لتعلقه بالعلم والمعرفة الوقع الكبير في الحفاظ على خير زاد لاختراق دروب الحياة المتشعبة بارتياح ونجاح. هكذا لم تسترقه لا الوظائف الوزارية التي تقلب فيها، ولا المهام السياسية الأخرى التي عرفها. لقد استطاع أن يخلق له وقتا "رابعا" لإشباع رغباتهالفكرية في الكتابة. إن تجاربه المختلفة لقنته أصول المعاملة ومناهج الطواعية والدأب، وقوة الاقتناع والإقناع في دقة ووضوح. فأخذ قلمه يتدفق يوميا بمقالات سياسية، نقدية ومجتمعية تسجل المواقف البطولية التي عرفها المغرب خلال المقاومة وبعدها، ينشرها في جريدة "الرأي العام" تحت عنوان "هذه سبيلي".
وكان أول كتاب طلع به القراء، دراسة أدبية حلل فيها شخصية لسان الدين ابن الخطيب السليماني (1). وتتوالى مساهماته في ميدان الفكر والثقافة بإصدار عدة مؤلفات في اختصاصات متنوعة، ما بين أدب وسياسة وقانون، تثري المكتبة العربية بما تقدمه من تنظيرات اختمرت في كتابه "من الثورة السياسية إلى الثورة الاجتماعية"، وبما فيها من تحليلات منطقية لأوضاع العرب والمسلمين في دراسته "بين القومية والتضامن الإسلامي"، وكذا بما توفره من دراسات مفصلة لمن يريد البحث في مادة القانون والهيآت البرلمانية حيث يمثل كتاباه "المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية" بجزئيه (2) و"النظم السياسية العالمية المعاصرة" (3) بحق مرجعا أساسيا للمختصين في دراسة الأجهزة السياسية العالمية الكبرى، نظما ومؤسسات وأشكالا. وتروقك مصاحبته يوميا في سلسلة مقالاته التي ينشرها بجريدة "الشرق الأوسط" حيث تتناغم الذكريات والبطولات والفكر والأدب مع قمة النضج وبراعة التحليل والاستنباط في موسوعية متناسقة بعيدة الآفاق.
إن إيمان الأستاذ عبد الهادي بوطالب بضرورة التلاقح الفكري، والانفتاح على مختلف الثقافات الإنسانية، والاستفادة مما يتداول عالميا من معطيات لصالح وطنه وأمته كان أحد العوامل الهامة التي سخرها ذكاؤه الوقاد وشخصيته القوية، ولباقته في الخطاب والفعل، فجاءت جميعها لتجعل من المحتفى به قدوة في الحل والترحال، مثل فعله من أجل تحرير الوطن والتعريف بقضيته أمام الأمم المتحدة وتحسيسه الرأي العام القومي والعالمي بها، وكذا مشاركته في المفاوضات التاريخية بإيكس ليبان.
إن نشاطاته المختلفة تلك، جعلت منه مثلا أعلى، عززه ما حققه من نجاح كوزير مكلف، من لدن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني نصره الله، برعاية الشؤون الاجتماعية فالعدل ثم الإعلام فالتعليم وبعده الخارجية، وكسفير لجلالته لدى كبريات الدول في أحرج لحظات تاريخ مغربنا المعاصر، ثم كمستشار للعاهل المفدى قبل أن ينتخب على رأس هيأة دولية لها كلمتها الحاسمة بالنسبة لأمتنا الإسلامية، وظل انتخابه لرئاستها يتجدد لما يحظى به من تقدير وثقة عز على عالمنا الإسلامي أن يجد من يضاهيه، أو يحقق للمؤسسة بعضا مما تحظى به تحت إشرافه.
أيها السادة الأفاضل،
إن مكانة سيدي عبد الهادي بوطالب في المجامع العلمية ومراكز الأبحاث والدراسات عبر العالم العربي والإسلامي تشهد بالرصيد المتكامل الذي يمثله، كما تشهد بذلك تآليفه التي تعتبر منجما لأهل الصنعة ومرجعا لطلاب الاختصاص لأنها تآليف جاءت نتيجة الدرس والتحصيل والتفكير والممارسة والحنكة. لقد جمعت بين النظرية والتطبيق، وهذان أمران قلما يجتمعان لمن ينكبون على الكتابة والتأليف ممن تبتلعهم المهام وتجف أقلامهم المناصب.
فأكرم بها من قدوة. ونعم المعلم والدبلوماسي والسياسي والمفكر أنتم.
وأكرم بها من شخصية حدبة أنجبت فجاء العطاء خصبا والذرية حسنة.
زادكم الله توفيقا. وأطال الله عمركم ذخيرة لأسرتكم الكريمة ولأصدقائكم ومعزيكم، خشبة وخلف الستار، العزيزة الكريمة حرمكم المصون للاثريا، دامت شعلتها في تبارز مع ثريا الأفق، ولعلها ربحت قصبة السبق لأن ثريا الأفق تلمع ليلا، أما ثريا الشرايبي بوطالب فلا تحجب شعلتها أنوار الشمس الساطعة. وفقها الله وحفظها في رعايته وزادها قوة وإشعاعا.
أستاذي العزيز سيدي عبد الهادي بوطالب ألتمس منكم العذر على التقصير في الحديث عن ميزاتكم. فلست أهلا لأن ألفظ كلمة، أو أدعي بالخطاب معرفة. وكان من الأفضل أن أوفر الوقت وأدع الكلام لمن شرفوا "ندوة تمارة" بالمشاركة في هذه الأمسية بعروضهم وتدخلاتهم. فلهم جزيل الشكر ووافر الثناء.
أجدد ترحيبي بكم جميعا في هذا الحفل التكريمي ووفقنا الله وإياكم.
"إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتيكم خيرا". صدق الله العظيم. |
![]() |
بين الشريعة والفقه والقانون (الحلقة 3) الجمعة 21 مارس 2025 |
![]() |
بين الشريعة والفقه والقانون (الحلقة 2) الخميس 20 مارس 2025 |
![]() |
بين الشريعة والفقه والقانون (الحلقة 1) الأربعاء 19 مارس 2025 |
وحدة العالم الإسلامي بين النظرية والتطبيق (الحلقة 3) الجمعة 14 مارس 2025 |
وحدة العالم الإسلامي بين النظرية والتطبيق (الحلقة 2) الخميس 13 مارس 2025 |