السبت 19 أبريل 2025
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شهادة محمد عزيز الحبابي عضو أكاديمية المملكة المغربية

عـبـد الـهـادي بوطالـــب

نابغة تجاوز عصره

محمدعزيزالحبابي

عضو أكاديمية المملكة المغربية

 

قالوا : "إن المعاصرة حجاب".

 

نعم، ألا نعتز غالبا بمن مضوا؟ إنهم المثل – النموذج، وإنهم المثال المقتدى، والمفخرة التاريخية القومية، في حين أننا نتواجد مع أقوام ممتازين، بيد أن هذا التواجد يحجب نبوغهم عن نظرنا، فهم هنا الآن، إلا أن عتمة النظارتين لا تترك مجالا للنور ليخترقهما. إن النور لا يلج الأبصار إلا عندما تفصله عنها مسافة. ذاك هو الفضاء الذي يقطعه النظر ليحوم بالمنظور، فللماضي إمكانية على التموضع تخوله أن يخضع للتأمل، وبما أن الناظر لا يجد فيما فات وانتهى، أية معارضة، يتشجع ويتأمل فيه، ويمعن النظر ويصدر أحكاما بالنقصان أو المبالغات، وتمر بسلام.

 

أما التأمل والحكم في وعن الأحياء، فوجودهم يزعجك وقد يكون تفنيدا لما تزعم. عليك، إذن، أن تتغافل عن المعاصرين كيلا تصدم بفقدان مصداقيتك... فرغم أن خصالهم ومزاياهم تبرز للعيان فإنك تحاول غض الطرف عنها، تخوفا أو حسدا، أو لأنك ترى في ظهورها إحباطا لجاهك ولآمالك في تحقيقها أنت أو من طرف من تفضل...

 

حقا إنك ترى، ولكن الحجب الذاتية ترغمك على ألا تعترف للآخر بما لا تجد في ذاتك ولا عند أحبائك.. هكذا تطمس معالم عبقريات، وتحجب.

 

لكن، من النوابغ من يفرضون الاعتراف لهم بالحضور في التاريخ، لأن شخصياتهم تتجاوز الساعة المعاصرة التي يصنعونها، فيلجون تاريخ ما سيأتي، إنهم "غدويون" بطبيعتهم، ولا يجد المعاصرون الواعون بدا من الاعتراف لهم، وبهم.

 

عبد الهادي بوطالب خريج جامعة القرويين، هذه الجامعة المجيدة هي ما زعم، عن جهل، المارشال اليوطي ومعاصرون عصريون منا، أنها المكان المظلم الذي لا يتكون فيه إلا الغلاة من الجامدين والمقلدين. ولكن الواقع أن بعضا من خريجي القرويين أظهروا، بكامل الوضوح، أنهم من حيث التفتح على التيارات الفكرية والعلمية والفنية الحديثة والمعاصرة أوسع أفقا من جل العرب، خريجي السوربون وهارفارد. لقد هضموا المعاصرة هضما، واستثمروها. فكتب عبد الهادي بوطالب أصبحت مراجع جامعية مما أقام الحجة على أن مؤلفها مجتهد، ويؤمن بفضيلة التسامح، فلا جمود ولا تقليد عنده، أطال الله عمره وزكى عطاءاته.

 

لقد ابتدعت عندما كنت رئيسا  كتاب المغرب عادة تكريم عظمائنا وهم أحياء، وكان التكريم بــ "دار الفكر" وبدأ عمدا بخريجي جامعتنا العتيدة القرويين، بدءا بالمرحومين العظيمين سيدي علال الفاسي وسيدي عبد الله كنون، ثم استأنفت والسيدة فاطمة الجامعي الحبابي مضيفتنا الكريمة، منذ سنوات، تلك العادة الحميدة بــ "ندوة تمارة" التي حظيت بتكريم ثلة من العلماء والأدباء والمفكرين والسياسيين، فاحتفت بفقيد العلم سيدي عبد الله كنون سنة 1979، والأديب المعطاء عبد الكريم غلاب سنة 1980 والألمعي أحمد المختارامبو سنة 1982 والشاعر الرئيس ليبولد سيدا سنغور سنة 1984 وغير هؤلاء كثير. وها هي اليوم تستقبل بكامل الاعتزاز وبالغ السرور الأستاذ الجليل سيدي عبد الهادي بوطالب المثقف الموسوعي والسياسي المحنك.

كما تعودنا أن نقول : "سيد الهادي" أستاذ جليل، من نبوغه أنه يصعد كراسي شيوخ الإسلام وأئمته بدمشق والقرويين وغيرهما من المساجد العظمى، على اتساع العالم الإسلامي، فيعلم ويبهر، كما يقف أمام مكبر الصوت بالمنابر الحرة المختلفة، بأندية عالمية، فيشارك ويقنع (سواء تحدث باللسان العربي، أو الفرنسي، أو الإنجليزي). ويلج كليات العلوم القانونية والسياسية فيعتز المئات من الطلاب بالتتلمذ عليه.

 

حسب من خالطوا سيد الهادي في صغره، قد بدأ شاعرا ينظم القصائد الوطنية، ثم شب بين حلقات أساتذة القرويين، فكان محل إعجابهم لقوة إدراكه، وطلاقة تعبيره.

 

ويتقدم لامتحان العالمية، فتكون من حظه قصبة السبق، إذ نجح للمرة الأولى، ونال الرتبة الأولى، وهو أقل سنا من زملائه. فذاع صيته، وطلب منه الشباب المثقف الفاسي (خصوصا تلامذة وقدماء تلاميذ ثانوية مولاي ادريس) أن يعطي درسا للعموم، فلبى. وصار الشاب عبد الهادي يلقي دروسا دينية وتوجيهية من فوق كرسي جهابذة القرويين، وكان ذلك حدث الساعة بفاس، وحتى خارج فاس، فبعث عليه صاجب الجلالة محمد الخامس رضي الله عنه، وأسند إليه التدريس لصاحب السمو الأمير مولاي الحسن، وأسكنه بالقصر العامر، بالقرب منه.

 

وإلى جانب التدريس، مارس الأستاذ بوطالب السياسة، كعضو في شبيبة الحركة القومية، ثم انتخب عضوا في المكتب السياسي لحزب الشورى والاستقلال.

 

وعندما نفيت الأسرة الملكية الشريفة رحل سيدي الهادي من الرباط إلى الدارالبيضاء، وأسس دار الكتاب (مكتبة عربية متنوعة) مع صديقه المجاهد سيدي عبد الحي العراقي، ثم أنشأ بعد ذلك مع أخيه الكريم سيدي عبد الحي بوطالب مطبعة دار الكتاب التي لم يمر عليها إلا زمن قصير حتى أصبحت أنضج مطبعة في خدمة الثقافة المغربية.إن مطبعة دار الكتاب كانت تنشر آفاق مجلة اتحاد كتاب المغرب مجانا، وتتبرع على الاتحاد بمعونات... بالإضافة إلى ما كانت تنشره من كتب لأعضائه، بأثمان بخسة.

 

ويأتي الاستقلال فنجد سيدي عبد الهادي بوطالب يتقلب في المهام المصيرية للبلاد، بفضل ما تمتع به من ثقة محمد الخامس طيب الله ثراه كما تمتع ومازال بثقة جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله، إذ ترأس البرلمان، والديوان الملكي، وكان وزيرا للأنباء، فالعدل والتعليم ثم الخارجية... وتقلد مهام ديبلوماسية.

 

أما ما تركه بعده في تلك المناصب، فإن السادة الأفاضل الأساتذة الذين تحدثوا عنه، أكدوا ذلك، طبعا باختصار، لأن الوقت المحدد أرغمهم بذلك. لكن العروض الكاملة ستنشر بحول الله في كراسة من كراسات "ندوة تمارة" كما أكدته لي السيدة فاطمة مضيفتنا الكريمة.

 

وختاما، إن جاز لي أن أعبر على انطباع تكون لدي عن سيدي الهادي، الأستاذ والرائد، والصديق، قلت، انه المثقف الملتزم بصدق التزاما متكاملا في استمراريته واستقامته، بوطالب مثقف، يعتبر الثقافة وسيلة لا غاية. فتواضعه يعادي النخبوية، بل إن همه الأول أن يبذل جهودا واعية من أجل تحقيق غايات سامية. بوطالب مثقف، بهذا المعنى. إنه مثقف مهتم بالسياسة، أي بوطنية واعية لها مقاصد ومنظمة ترمي إلى إصلاح مجتمعي، إنه مهتم بمصير العالم العربي وبالعالم الإسلامي,

 

إذن، عبد الهادي بوطالب عالم، ومشارك (لأن معرفته أوسع من التخصص المحدود) وهو سياسي، أي مكافح مجند لخدمة المغرب، والمغارب، والعرب والمسلمين.

تلك هي حال سيد الهادي التي تفرض محبته، وتقديره، وتجعل من مجالساته أنسا، ومن أحاديثه فوائد، ومن قراءة آثاره ذخيرة.

 

فللعزيز سيدي عبد الهادي وافر العافية والمزيد من التوفيق.

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي