الثلاثاء 7 يناير 2025
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شهادة ذ. محمد الفاسي الفهري

عبد الهادي بوطالب  والسيادة المغربية للقضاء

محمد الفاسي الفهري

سفير سابق لصاحب الجلالة

 

 

عين سيدي عبد الهادي بوطالب على رأس هذه الوزارة (وزارة العدل) في شهر غشت من سنة 1964 وذلك بعد أسابيع معدودة من انتهاء البرلمان من التصويت على قانون توحيد القضاء ومغربته وتعريبه.

 

فماذا يعني هذا القانون؟ أهو مجرد عملية تقتضي تنحية اليد العاملة الأجنبية وضم المحاكم بعضها إلى بعض واستعمال اللغة القومية في الترافع وإصدار الأحكام؟.

 

الواقع أن ألأمر لم يكن بهذه البساطة، وإنما كان يتجسم فيه أساسا، استكمال بلادنا لسيادتها بعد أن كانت قد فقدت هذا الجزء الخطير منها قبل عهد الحماية نفسه. نعم إن المحاكم الفرنسية والإسبانية والمختلطة بطنجة كانت بمثابة استمرار لتلك المحاكم القنصلية التي فرضت على بلادنا عشرات السنين قبل هذا العهد والتي كانت تولد عليها ما نسميه نحن "بالحمايات" وما كانوا يطلقون عليه هم بصريح العبارة بالاستسلامات « Les capitulations ».

لم تكن قد وطأت بعد قدما الوزير بناية وزارته الجديدة لأول مرة حتى أطلق العنان لمختلف الإشاعات المتضاربة حول مصير قانون التوحيد. وهكذا راجت أخبار مفادها أن سيدي عبد الهادي بوطالب مصمم العزم على مراجعة البرلمان في هذا القانون إما للمطالبة بأجل أطول وإما بتنفيذ جزء منه فقط دون الباقي. فقيل بأنه سيوحد دون أن يمغرب ثم انه سيمغرب دون أن يوحد إن لم يكن سيقوم بأحد هذين الجانبين دون أن يعرب.

 

لذلك فإنه ضاعف، حتى قبل نشر القانون في الجريدة الرسمية، من الاتصالات مع مختلف وسائل الإعلام ليؤكد عزمه على تنفيذه بكل حذافيره في الأجل المضروب، أي قبل متم 1965.

 

ولم يلتفت أيضا لكل الضغوط الداخلية والخارجية التي كانت تمارس عليه في محاولة يائسة للنيل من عزيمته، تلك الضغوط التي كانت كلها تدور رحاها حول التهديد بفرار المستثمرين وبانهيار الاقتصاد الوطني عاجلا أو آجلا إذا ما تم تطبيق هذا القانون فعلا. هذا بالإضافة إلى الفوضى التي كانوا يزعمون أنها ستحدث لا محالة لما كانوا يصفون به القضاة المغاربة من عدم الأهلية للتصدي لمثل هذا القضاء الذي كانوا يهولون تشعبه وتقنيته.

 

فكانت أول مشكلة واجهت الوزير توصله برسالة شفوية من سفير فرنسا إلى وزارة الخارجية يقول فيها أن حكومته لن تلتفت إلى قانون التوحيد والمغربة والتعريب  ما دام يتعارض مع الاتفاقية القضائية المبرمة مع بلاده سنة 1957 مستدلا بالمبدء الذي يعطي للقانون الدولي مكانة أسمى من القانون الداخلي. فرد عليه الستاذ عبد الهادي بوطالب في الحين أن حكومة المملكة المغربية ترى أن اتفاقية سنة 1957 إنما وضعت لمرحلة انتقالية ينتهي مفعولها بانتهاء حاجة المغرب إليها، وهذا ما عبرت عنه الأمة المغربية بتصوين ممثليها بالإجماع على هذا القانون. لذلك فإنه يطلب فتح مفاوضات مستعجلة مع حكومته لإبرام اتفاقية جديدة ترقى إلى مستوى مثيلاتها القائمة بين الدول الصديقة والتي تضمن المساواة والتعامل بالمثل.

 

وفعلا أجريت تلك المفاوضات في الحال مع كل من الحكومة الفرنسية والحكومة الإسبانية وانتهت بما يرضي رغباتنا.

 

وأمام الثغرات المختلفة والهائلة التي كات يتضمنها قانون التوحيد والمغربة والتعريب، وتقلص الأجل المضروب لإدخاله حيز التطبيق يوما بعد يوم، وجد نفسه أمام ضرورة اعتبار الفصل 6 الذي يعهد إلى وزير العدل بتنفيذه بمثابة تفويض من طرف البرلمان يخوله حق اتخاذ ما يراه مفيدا لبلوغ الهدف المنشود، لا مجرد مقتضيات تقليدية غايتها أن يسهر على تنفيذه على مقتضاه.

 

ويضيق بنا المجال هنا إلى ذكر تسلسل الإجراءات التي اتخذها الوزير في هذا الإطار فلن أشير إلا لواحدة منها فحسب لما كانت تكتسيه من أهمية قصوى.

 

نص الفصل الثالث، إن النصوص الشرعيى والعبرية وكذلك القوانين المدنية والجنائية الجاري بها العمل حاليا تصبح إلى أن تتم مراجعتها مطبقة لدى المحاكم المحتفظ بها أي محاكم السدد والإقليمية والاستئناف والمجلس الأعلى. لكن هذا البند أغفل أن يوضح لنا ما هي هذه القوانين.

 

أهي قوانين محاكم 1913 –الفرنسية- أو تلك التي كانت سارية المفعول بالمحاكم الإسبانية؟ أو لدى المحاكم الدولية المختلطة بطنجة؟

 

أم هي قوانين المحاكم العادية التي، رغم قلة عددها وبساطة فحواها، فإنها كانت موجودة وقائمة الذات؟

 

وعنجما يحدثنا هذا القانون على القوانين الشرعية، هل يقصد مدونة الأحوال الشخصية فقط أو الفقه المالكي برمته الذي كانت المحاكم العادية تطبقه مبدئيا في المعاملات؟

 

ومن جهة أخرى ما هو مصير ظهير 1958 المكون للمسطرة أمام القضاة الشرعيين وظهير 1918 الذي ينظم مسطرة المحاكم العبرية؟

 

وكيف يتم ملء الفراغ الذي أحدثه قانون التوحيد بإغفاله محاكم الشغل والمحاكم الإدارية تلكم المحاكم التي أصبحت ملغاة إذا ما وقفنا على حرفية القانون؟

 

فكان المفروض في كل هذا الرجوع إلى السلطة التشريعية لتقول كلمة الفصل في هذا الموضوع. ولكن مثل هذا الإجراء يقتضي وقتا طويلا يعرض القانون إلى الأخذ والرد ولربما اغتنم معارضوه الفرصة ليعطلوا مفعوله بكيفية أو بأخرى لذلك لم يجد الوزير بدا من التمطيط إلى حد كبير من مفهوم الفصل السادس هذا.

 

وكلما كنا نعرض عليه إشكالية كيفما كانت إلا وكان يبهرنا باستيعابها بسرعة فائقة مهتديا للحل القانوني المناسب دون أن ينسى في تقديراته دائما الأخذ بعين الاعتبار كل المعطيات السياسية الظاهرة والخفية التي تكون مصاحبة للمشكل والتي يكون قد فاتنا الشعور بها أحيانا.

 

وأذكر هنا أن سيدنا نصره الله، عندما تفضل باستقبال الجماعة التي اختارها الوزير لمساعدته في تلك المرحلة، وقد تم ذلك بعد صلاة الجمعة بمدينة العرائش التي كان يزورها جلالته زيارة رسمية، في ذلك اليوم، قال لنا بعد أن حثنا على الأخذ بيد وزيره في العدل وأستاذه سيدي عبد الهادي بوطالب لمساعدته في هذا الإصلاح الجذري والحيوي بكل ما لدينا من إمكانيات، إنني متيقن تمام اليقين، لما أعرف فيه من قدرة نادرة على استيعاب المشاكل مهما كان تشعبها، بأنه سيصبح ملما بأدق الأشياء بوزارة العدل قبل انتهاء شهرين من توليته.

 

وهذا ما تم بالفعل حيث انسجم مع العدل انسجاما تاما وواجه مشاكله بدراية ويقظة وحكمة، وكان الساهر الأمين على استقلال القضاة والمدافع عنهم مع الحزم الكبير مع كل من سولت له نفسه التلاعب بحقوق الناس أو التهاون بها.

 

ولازال راسخا في أذهان القضاة الذين عاصروا هذه الفترة الحاسمة أو الذين لهم أطوارها، أياديه البيضاء على هذا الجهاز وتكريمه لرجاله المخلصين الذين يكنون له بدورهم بالغ الاحترام والممنونية ويدعون له كلهم بطول العمر والمزيد من العطاء لبلادنا الحبيبة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي