السبت 19 أبريل 2025
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شهادة الأستاذ عثمان العمير رئيس التحرير السابق لجريدة "الشرق الأوسط"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحضور الكريم

 

بوفاة السيد عبد الهادي بوطالب، الكاتب والمعلم، والسياسي المغربي الكبير، تكون سلسلة من تاريخ المغرب الحديث انتهت تماما. ففي العقدين الأخيرين، مضى إلى رحاب الفناء مجموعة كبرى من صناع تاريخ المغرب الحديث مثل عبد الرحيم بوعبيد، وأحمد رضا جديرة، وعلي يعتة، والمعطي بوعبيد. ثم جاءت نازلة الحسن الثاني، وتبعه أحمد بن سودة، ومحمد عواد، وإدريس البصري، وعبد اللطيف الفيلالي، وآخرون فاتني ذكرهم في هذه العجالة.

 

لكن السيد عبد الهادي بوطالب، الذي يتلذذ بألقابه الكثيرة، كان عالما لوحده في كل شيء. يستحق أن يصبح بطلا أندلسيا، يذكرنا بابن عمار، أو ابن زيدون، أو لسان الدين بن الخطيب، إذا لم يكن يجسدهم كلهم.

 

كان أيضا أديبا، وخطيبا مفوها، وكاتبا ناصع العبارة، جلي الطلعة. وكان شاطرا، سياسيا مجربا، أستاذا لامعا، مخاتلا كبيرا متقلبا واسع التقلب، كما أحس بتعارض مع قيمه وقناعاته، وكان بالنسبة للمغرب ابنا وفيا، مثلما كان صديقا رائعا لي.

 

لا أتذكر متى تعرفت على السيد عبد الهادي بوطالب، لكنني أذكر أنني تعاملت معه، وتعاونا كثيرا، وكان من نتائج ذلك التعاون "ذاكرة ملك"، الكتاب الذي تفضل جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، بتكليفي بنشره بالعربية عبر "الشرق الأوسط"، وكتابة مقدمته. ثم تفضل رحمه الله بأن كلفني بطباعة كتابين تراثيين قرأهما في صغره، وكان السي بوطالب مكلفا هو الآخر.

 

لقد مرت علاقاتي بالسيد بوطالب رحمه الله بالكثير من الأحداث، والمواقف والتقلبات. كما مرت علاقته بملكيه الحسن الثاني، بتقلبات ومواقف وأحداث أكثر وأكبر، تواصلت على امتداد ما يزيد على ستة عقود. لكنه في كل تلك الأمور وغيرها يبقى السي بوطالب شخصا مميزا، ومؤثرا، وفاعلا، وغنيا بالمواقف والآراء المشجعة على المتابعة، والتأمل فضلا عن الرواية.

 

إن غياب الأستاذ عبد الهادي بوطالب من الساحة هو غياب لشخصية فذة ووازنة شاركت في صناعة تاريخ المغرب الحديث وكتابته.

 

لقد مر على قصور الحسن الثاني، وعلى ملاعب الغولف، وساحات البلاط، عشرات الوجوه، لكن وجه عبد الهادي بوطالب يبقى نادر الحدوث، كما هو نادر التكوين.

 

رحمه الله..نحن لاحقون.

�>��Џ� �$ طي بوطالب نوْعا من التفسير الثقافي لتلك التلقائية التي تمّ بها هذا اللقاء بيْن جناحيْن لمْ يكونا مهيّأيْن للالتقاء بشكل طبيعيّ لكوْن الحزبيْن معا، حزب الشورى وحزب الاستقلال عاشا نقاشا حادّا يتعلّق بقيادتيْهما. ففي كلا الحزبيْن كان هناك نوع من التضايُق والاختناق الذي طبع القيادات، والذي جعل من فكرة الزعيم فكرة معيقة لنمو هذه الأحزاب وتطورها. لذلك كان "التمرّد" على الزعامات التقليدية لهذه الأحزاب نوعا من الحسّ الثقافي لدى عدد من المثقفين والأطر النوعية التي كانت في كلا الحزبين، والتي التقتْ إرادتهما فيما بعد لتشكيل تيّار سياسي واسع. لا أعتقد أن الأستاذ عبد الهادي بوطالب، في مباشرته بحماس وإقدام لهذه الخطوة، كان يهدف فقط إلى تشكيل تجمّع سياسي قوي ملائم لتلك الفترة ولضرورات الصراع في تلك الفترة، ولكنني أعتقد بأنه كان يرى أيضا بأن الخروج من المأزق الذي كان فيه المغرب، في بداية الاستقلال، كان يقتضي تشكيل نخب جديدة. وقد حاول من جهته، ومع قادة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أن يخترق ذلك الجدار السميك والمطبوع بتقليدية ثقيلة، وبزعامات قاهرة. حاول تكوين نُخب جديدة ونشيطة وطموحة ومتمرّدة لها قناعات مختلفة، ولكن لها مقاربات سياسية مختلفة. بطبيعة الحال، وبعد بضعة شهور، سيجد عبد الهادي بوطالب نفسه في موقف دراماتيكيّ لكونه سيضطرّ للانسحاب من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وسيبرر ذلك بنقطتيْن أساسيتيْن: صعوبة اندماج القاعدة الجديدة لحزب الشورى في المشروع الجديد، وكذلك عدم الشفافية في معالجة بعض القضايا من طرف القيادة المشتركة. ولكني أعتقد بأنّ تلك الفترة المطبوعة بغليان إيديولوجي، وباضطراب فكريّ وسياسي جعلت هذا الزواج، السّهل ظاهريا، صعبا في التدبير فيما بعد، وخصوصا صعبا في جعله وسيلة أساسية من وسائل تدبير الدولة. لأن الأمر الذي كان منتظرا من هذا التكثل هو أن يشارك بشكل ملموس في تدبير شؤون البلد بعد الاستقلال.

 

والنقطة الثانية التي كانت مثار اهتمام كبير من طرف الأستاذ في تلك الفترة هو كيف نستطيع تحديث الممارسة السياسية في بلادنا، والقطع مع التقليد المسيطر على الذهنيات والممارسات. كان بوطالب يعي بأن المغرب مغرق في التقليدية، ومغرق في الوفاء لبنْياته التراثية، وان مسألة التحديث ليستء مسألة إرادية بحتة يمكن أنْ يقرر فيها عدد من الناس يشكلون نخبة متطورة. كانت للأستاذ عبد الهادي بوطالب معرفة دقيقة بالتطور الثقافي للمغرب، وبتطور المدن والبوادي والقبائل، كما كان يدرك ما استطاع الاستعمار الفرنسي من تأسيسه من تقاليد جديدة. وكان له حس ثقافي عميق ويعتبر أن التحديث لا يكون صدمة تدميرية، ولا بد أن يكون على مراحل بناء على الإجماع والتراضي، وهما الكلمتان اللتان ستظهران في القاموس السياسي بعد ثلاثين سنة. لقد كان من مؤسسي التسامح حتى مع المعارضين الذي يوجدون في الضفة الأخرى، وحتى وهو يتقلد مناصب سياسية. وأنا أعْرف حجم المعاناة النفسية التي عاناها من أجل أن ينجح المغرب في بناء الدولة الحديثة. يعلّمنا أنْ نعرف كيف ندوس على نوع من الكبرياء لنخلق ظلا وارفا لجميع المغاربة. ومن ثمّ فإن عبد الهادي بوطالب من القلائل، وربما الوحيد الذي اختار أن يخرج من القصر بعد عرض منصب رهن إشارته. اختار أن يعمل من خارج الحكومة لا داخلها. إنها مواقف في غاية الصعوبة النفسية والسياسية. وأنا أحس كذلك بأنه من القلائل جدا الذين يؤسسون لنوع من التفاوض والتسامح والتدرج لبناء مغرب المستقبل، الذي ضيّع المغرب في سبيله الشيء الكثير. وهو درس للأجيال الجديدة. لقد طبع عبد الهادي بوطالب الحياة السياسية لكونه فضل التأمل من خلال الممارسة، لا من اهتمام نظري فقط، بل من انخراط شخصي وفاعل . أما الخاصية الثانية فهي إيمانه بقوة المجال الثقافي. لذلك استمر فاعلا ثقافيا مقتنعا بأن العمق الثقافي لأية أمة هو الأساسي والأنجع.

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي