كتاب الإيسيسكو والصحوة الإسلام |
|
قضت سنة الله في خلقه أن يرسم للطبيعة قوانين ثابتة يسير عليها دون خطأ في التقدير أو غلط في الحساب. فقانون التوالد في الأحياء يخضع لزمن موقوت، وبيئة مناسبة، وكل خروج عن ذلك يولد الإجهاض أو المخاض الأليم. وما هذا إلا استعارة للحديث عن إنشاء المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في زمنها المحدد المضبوط. وهو زمن قدر فيه للعالم الإسلامي الذي كان عالم الوحدة والتكامل والاعتصام بحبل الله أن يتفرق طرائق قددا، ويصبح موزع الأوصال، مبلقن الأوطان، ننقاسم الدول الاستعمارية خيراته، وتسنمزف اقتصاده، وتسرف في الهيمنة على عقله ولسانه، وتستبد في حكمه وإبادة تراثه وثقافته. ثم يبلغ الاعتداء مداه فيحرق الصهاينة المسجد الأقصى، وقد أمنوا مكر الله وغضب المسلمين. ولكن قضى الله أن يتحول كل شئ إلى ضده إذا تجاوز حده. فكان إحراق المسجد الأقصى بداية أولى قمة إسلامية تجمع قادة الدول الإسلامية لرد الكيد وتدبير الأمر. ففي شهر رجب 1389 هـ، سبتمبر 1969م، اجتمعت بالمغرب أولى قمة إسلامية عملت على صد الاعتداء السافر على مشاعر المسلمين، ووضع حد لتطاول الكيان الاستعماري ممثلا في إسرائيل رأس حربة الاستعمار. وانتهى المؤتمرليصدر بيانا يعبر عن الضرورة الماسة لوحدة عالم الإسلام ليواجه الخطر المصيري المشترك. وأقر وزراء خارجية الدول الإسلامية إنشاء الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي حتى تعكف على دراسة الأوضاع بعمق، وتقترح الحل المستعجل، وتلتزم بعمل دائب لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار الجديد المتسم بالتهديد العسكري والغزو الفكري والتعزيز السياسي والدمج الثقافي. والحق أن الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي عملت جهدها في تطبيق ما التزمت به في ميثاقها من تعزيز التضامن ودعم التعاون، والعمل على محو التفرقة العنصرية، ودعم السلام والأمن على أساس الحق والعدل، وتنسيق العمل من أجل الحفاظ على سلامة الأماكن المقدسة وتحريرها، وعم كفاح جميع الشعوب الإسلامية، وإيجاد المناخ لتعزيز التعاون والتفاهم بين الدول الأعضاء والدول الأخرى. وتوالت المؤتمرات واللقاءات لتفضي جميعها غلى التعمق في أزمة الحضارة الإسلامية. وبدا أن وراء الهجمة الاستعمارية المتلاحقة استعدادا لتلقي الضربات والاستكانة إليها. فالتيارات الهدامة، والفهم الخاطئ للإسلام، وجمود العقل وتحجره، والسير وراء الإيديولوجيات المنحرفة، وهلهلة الثقافة الإسلامية، وسطحية التعليموالتربية، كل ذلك جعل من العالم الإسلامي أرضا هشة لا تحتمل أ، يشيد عليها أي بناء، وبحرا متلاطم الأمواج لا تتمكن أي سفينة من الإرساء. وكان من نتائج ذلك كله أن فقد المسلمون أو كادوا يفقدون ثقتهم بعقيدتهم، وإيمانهم برسالتهم، فاستلبوا منبهرين، لا يستطيعون مواجهة التحدي ولا صد العدوان. فوجدت منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الأعضاء فيها خلفية قررت مواجهتها مباشرة بإنشاء منظمة متخصصة حملت اسم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو). وهكذا انبثقت الإيسيسكو عن منظمة المؤنمر الإسلامي، كما تفرعت منظمة اليونيسكو عن هيئة الأمم المتحدة لتتخصص في شؤون الثقافة والعلم والتربية ومنظمة الالكسو من جامعة الدول العربية لينكب اهتمامها على التربية والثقافة والعلم. إن المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لم تخلق لتكون أكاديمية تستقطب المعارف الإسلامية في التربية والعلوم والثقافة، ولا يراد منها أن تكون مدرسة لتلقين هذه المواد، ولا أداة وعظ لبيان أخلاقيات هذه المحاور، وإنما هي في واقع أمرها تعبير صريح وواضح عن الصحوة الإسلامية، وعن هدفية المعرفة الإسلامية، ولهذا فهي تفسح صدرها الرحب لتعميق مفاهيم التربية والعلم والثقافة بشمولية الدلالة وعموميتها. فكل تربية هادفة لسمو الإنسان، وكل علم يخدم الإنسان، وكل ثقافة تلاحم بين البشر، كل ذلك تعتبره المنظمة إسلاميا ومن صميم رسالتها. بهذا التعريف المطلق استوعب المسعودي والبيروني ثقافة الهند، وعمل الفردوسي وجلال الدين الرومي على صياغة ثقافة فارسية إسلامية، واحتوى الطوسي والسمرقندي ثقافة آسيا المجاورة لروسيا، واستقصى ابن سينا والفارابي فلسفة اليونان ليلائما بينها وبين افسلام، وصاغ أحمد بابا السوداني من ثقافة إفريقيا ثقافة إسلامية ظلت منهلا لا ينضب. وفي كل مكان وجد فيه المسلمون كان الإسلام تعبيرا عن ثقافة سكانه وأبنائه وتطويرا لحضارتهم وتتويجا لها. وهذا ما تضطلع به الإيسيسكو اليوم في لغة جديدة وأسلوب جديد أيضا. فهي لم تبن قاعدتها الثلاثية على أقانيم سياسية أو اقتصادية صرفة وإنما بنتها أولا وقبل كل شئ على الأسس الثلاثة الثوابت. ذلك لأن العالم الإسلامي ثابت راسخ على أسس روحية عميقة، وهو عالم متماسك في الدين، واثق من نقسه، رغم ما ألم به من إحن. وقد ظلت قاعدته الصلبة محفوظة بتعاليم القرآن والسنة، ولا يختلف المسلمون في أحقية دينهم وصدق رسولهم، فعالم الإسلام عالم ثابت في أصوله متحرم ومتفتح في فروعه. إن الإيسيسكو نشأت على أساس ثقافي متين لا على أساس سياسي وظرفي. ولو كان ذلك لتعرضت لصراع الدول ومصالحها السياسية، ولتعثرت منذ نشأتها واكتنف الغموض أهدافها، وإنما جاءت لتعبر عن الصحوة وتقدم المعرفة الإسلامية في عمقها وصلاحيتها وتطورها كي تستطيع التغلب على التحدي والمواجهة، وتحقق وحدة الأصول دون أن تضيق بخلافات الفروع لأن الخلاف الهامشي الفرعي أداة حركة ووعي ونقد ذاتي، إذ الخلاف فيما يوضع على الميزان ليس هو الخلاف على وجود الميزان نفسه. إن من مهام الإيسيسكو أن تنسق بين عمل المربين في العالم الإسلامي حتى تتمكن من التنسيق وتنويع العمل التربوي وتبادل الخبرات، وتعيد للفكر الإسلامي مشاغله العلمية بعد أن استوردت فكرة فصل الدين عن العلم وظن البعض أن الإسلام هو غير العلم. كما جاءت الإيسيسكو لتقييم التراث والربط بين الماضي وتجربته والمستقبل وتطلعاته، فقد أصبح المسلمون يعيشون بدون تجربة وكأنهم فقدوا كل اساس علمي ووجداني. لقد جاءت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لتضبط الجهد حتى لا يضيع العمل في التكرار والإعادة، وتوقف النزيف حتى لا تعمل بدون طاقة. وكان من دواعي خلقها أن تتكامل مع الألكسو واليونيسكو، وأن تخطط مع المراكز والمنظمات تخطيطا منسقا، فما أكثر ما يجب أن نعمل، وما أحوجنا إلى تصحيح ما نعمل دون هدر للطاقة الذهنية والمالية والزمنية. إن الأمة الإسلامية تعيش اليوم جدليتها مع أحداث التاريخ وتفاعلاته، فهي تخلق الأحداث لمواجهتها، والأحداث تخلق القضايا لتواجه الأمة الإسلامية. زهي في هذا الجدل المستمر تتجدد ويقوي عودها. وقد تعلمت أن تخطط وتنظم. فتجاوز المسلمون بذلك العشوائية والارتجال، وجاءت منظمة الإيسيسكو لتعبر عن الجدلية اليقظة التي هي في الحقيقة يقظة الدول الأعضاء حكومات وشعوبا، ولتمارس هذه التجربة الجديدة التي تجمع بين أصالة المسلمين الثقافية والحضارية وتطلعهم نحو التمكن من العلم الحديث والتكنولوجية الناجعة قصد ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، ولذلك فخطة الإيسيسكو واضحة، وطريقها بيّن. وإن هذه الخطة وهذا الطريق يشكلان المحور الذي يدور حوله محتوى هذا الكتاب. فمن من خلال ما يتضمنه من خطب وتصريحات المدير العام تتجلى المكونات الأساسية للعمل الإسلامي في الوقت الحاضر في مجالات التربية والعلوم والثقافة. ونأمل أن القارئ بذلك سيتمكن من التعرف على أهم ما يتعلق بالصحوة الإسلامية والتضامن بين المسلمين وتبليغ الدعوة الإسلامية، ودور الأمة في الحوار بين الحضارات وعدة مجالات أخرى تتضح في كل منها أهمية الدول التي تضطلع به الإيسيسكو كوكالة مختصة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في ميادين التربية والعلوم والثقافة. وإنه إذا استبان الطريق توكلت وعزمت، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. نشر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة طبع بمطابع النجاح الجديدة - الدارالبيضاء |
عبد الهادي بوطالب بين السياسة والديبلوماسية الأربعاء 24 أبريل 2024 |
في الذكرى 14 لوفاة الأستاذ الكبير عبد الهادي بوطالب الجمعة 15 ديسمبر 2023 |
رواية الأستاذ عبد الهادي بوطالب "وزير غرناطة" في ندوة علمية بفاس (الأربعاء 17 ماي 2023) الأربعاء 24 مايو 2023 |
قراءة في مذكرات الأستاذ عبد الهادي بوطالب (ندوة فكرية)بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاته. (السبت 14 دجنبر 2019) الثلاثاء 14 مارس 2023 |
حرب القلم من أجل الاستقلال والديمقراطية في المغرب الاثنين 27 فبراير 2023 |