عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الشؤون الاجتماعية (18) | ||
| ||
من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها. وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري. الشؤون الاجتماعية : الزكاة والضرائب والرسوم الحلقة (18) فرض الإسلام الزكاة على الموسرين وحدد الله مصارفها بنفسه في القرآن الكريم، وقرنها بالصلاة في الوجوب وجعلها أحد أركان الإسلام الخمسة. وسوﱣى أبو بكر الصديق في القتال بين تاركي الصلاة ومانعي الزكاة. وكانت الزكاة على عهد النبي (ص) تُجبى إلى بيت المال بواسطة السعاة إلى أن ترك عثمان بن عفان إلى من تجب عليهم الزكاة شأن دفعها لبيت المال تلقائيا مؤولا آية : “خذ من أموالهم صدقة” على أنها إنما تنص على حق الإمام في أخذ الزكاة ولا تلقي عليه مسؤولية وجوب أخذها وجمعها. فالناس يدفعونها نيابة عنه. والقصد من الآية هو استحصال الزكوات لا قيام السلطة العليا نفسها بجمعها. واليوم استحدثت الدول في العالم (ومنها دول الإسلام) نظام الضرائب المباشرة بالنسبة للأفراد والشركات، والرسوم غير المباشرة على الاستهلاك والمعاملات التجارية. وتصرف الدولة من ضرائبها على بعض مصارف الزكاة بتأويل مصرف في سبيل الله على معناه الواسع، فتبني المدارس والمطارات وتشيد الطرقات وتُقيم السدود وتُجيش الجيوش وتفتح السفارات في العالم. إن الاجتهاد المعاصر مطلوب منه النظر في مصارف الزكاة طبقا لما جرت عليه أعراف صرف الضرائب، والوصول إلى الحكم الشرعي بالجواب على التساؤلات التالية : هل يعفي استخلاص الضرائب الدولة من جمع الزكوات ؟ وهل يُترك للواجب عليهم أداء الزكاة صرفها تلقائيا على مصارفها جامعين بين أداء الزكوات وأداء الضرائب ؟ أو هل تأخذ الدولة الزكاة من أصحابها وتضيفها للضرائب وتدمجها في بيت المال ويعفى بذلك المسلم من أداء الزكاة لإدماجها في الضرائب ؟ وما هي مصارف الزكاة التي يمكن شرعا أن تكون من مصارف الضرائب والرسوم ؟ ومن يتكفل بالفقراء والمساكين والأقارب المحتاجين إذا ما جمعت الدولة الزكاة وصرفتها على شؤون الدولة ؟ وأسئلة أخرى لا بد أن يطرحها الاجتهاد بعد أن ينظر المختصون في شؤون الضرائب والزكاة في طريقة الملاءمة بين نظاميهما : الشرعي بالنسبة للزكاة، والمدني بالنسبة للضرائب. ث-شؤون الأسرة : يتهم خصوم الإسلام ديننا الحنيف بأنه دين متخلف في مجال شؤون الأسرة، وخاصة في معاملته للمرأة وحرمانها من الحقوق. ويمثلون لذلك بإعطائه للرجل حق القوامة على المرأة، وجواز تعدد الزوجات، وضرب الزوج زوجته، وقبول الشهادة من رجل في مقابل امرأتين. والمطلوب من الاجتهاد توضيح دور المرأة المُذكرة المشار إليها في القرآن، والنظر فيما إذا كان لا بد من إضافتها بالنسبة لجميع النساء، أو إن وجود المذكرة إنما هو بالنسبة لنوع غير قادر ولا كفء منهن يُخشى بسببه أن تضل إحداهما فيُحتاج إلى تذكيرها من الأخرى. كما يمثلون لهضم حقوق المرأة بترك حرية التطليق للرجل، وبالاختلاف القائم بين العلماء حول إعطاء المرأة متعة الطلاق أهي واجبة أو مندوبة فقط، أم لا حق لها فيها بالمرة كما هو معمول به في بعض المجتمعات الإسلامية، وفرض الحجاب على المرأة بما يجعلها محرومة من المساهمة بجانب الرجل في بناء المجتمع، وما يترتب على ذلك في فهوم بعض الفقهاء من إحجاف بحق المرأة واعتبارها أقل قيمة وكرامة ودون الرجل. والملاحظ أن أغلبية العالم الإسلامي تجاوزت في ممارساتها على أرض الواقع بعض هذه القيود، وأعطت للمرأة حقوق الرجل أو كادت تسوﱢي بينهما فيما لم ينص الشرع على اختلافهما فيه. ومن هنا يحسن النظر في موضوع القوامة والبحث عن حكم الشرع فيما إذا لم تتوفر شروطها في الزوج، كأن يكون جاهلا والزوجة مثقفة عالمة وأكثر رشدا للسهر على حسن التصرف في شؤون البيت، أو كان الزوج لا ينفق على البيت والزوجة هي التي تنفق. كذلك ينبغي النظر في الحجاب المؤدي إلى حرمان المرأة من التعلم والتعليم والعمل في مكاتب الدولة لتسيير الإدارة، والنظر في حرمانها من الولاية الخاصة والولاية العامة. مع ملاحظة أن المرأة ارتقت اليوم في بعض أقطار الإسلام إلى مكانة مرموقة في المعرفة والعلم تتفوق بها أحيانا على أخيها الرجل، ولم تعد تلك المرأة الجاهلة الضعيفة المحتاجة إلى سند الرجل. فالتطور دفع بالمجتمعات الإسلامية إلى تبني إكراهات المجتمع العصري، لكن بقي علماؤنا ينظرون إلى ذلك على أنه انحراف وفسوق. فما هو الحق في كل ذلك ؟ أصحيح أن الحجاب الإسلامي هو الحجاب الذي يغطي جميع جسد المرأة بما في ذلك الوجه واليدان ؟ أو أنه حجاب لا يعوق المرأة عن الحركة ولا يفرض عليها لزوم الخلوة، ولا يحول بينها وبين التعاطي مع ما استجد في العصر من المباحات ؟ وما حقيقة الأمر الموجه في سورة الأحزاب إلى نساء النبي بالوقْر في بيوتهن (وقَرْنَ في بيوتكن) : أهو خاص بهن كما قال به أكثرية المفسرين أم هو عام ؟ والواجب رفع اللبس، ليقصر على زوجات النبي ضمن خصوصياتهن. أصحيح كذلك أن آية النشوز التي نصت على ضرب الزوجة على أنه خيار ثالث بعد الموعظة والهجر في المضاجع أعطت للرجل حق ضرب زوجته كما يشاء ويهوى ؟ أو أنها –كما يقول البعض- إنما جاءت لإقرار عرف كان عند بعض العرب، وأن الضرب يصبح حراما شرعا إذا لم يبق العرف معمولا به ؟ خصوصا وأحاديث نبوية استنكرت أن “يضاجع الرجل زوجته بالليل ويضربها كالعَيْر في النهار”. ونقف فقط هنا حتى لا نستبق اجتهاد العارفين في هذه المجالات، علما بأن اجتهاد اليوم مطالب بإعمال الفكر لاستنباط أحكام شرعية، لا تمس بصورة الإسلام المشرقة في العدل والسماحة وعدم التكليف بالحرج، وإقرار ما جاءت به السنة من أن النساء شقائق الرجال في الأحكام. أقول هذا وأنا أعلم أن المجالات التي أشرت إليها فيما قبل وقعت فيها المجازفة تطبيقا وممارسة، ونتج عن ذلك سيادة عادات وأعراف ترسخت بالتكرار وابتعدت بها عن سماحة الإسلام ويسره وعدله، وخالفت أحيانا حتى نصوصه الشرعية الثابتة. ومن واجب الاجتهاد الإسلامي أن يرفع هذه المجازفات ويرجع أحكام المجالات المذكورة إلى ما جاء به الكتاب والسنة، لا إلى ما انتهى إليه تطبيقها من جمود ومبالغة وتعسف نتلمس أسبابها في ظروف اجتماعية اندثرت. ج-الشؤون الصحية : يتقدم العلم اليوم تقدما مذهلا في جميع مجالات الحياة، ويفاجئنا كل يوم باكتشاف جديد يقلب المقاييس العلمية المتعارف عليها لفائدة مقاييس جديدة ثورية ومثيرة. وعلى الاجتهاد الجماعي المعاصر أن يقتحم أعماق هذه الاكتشافات بقصد الوصول إلى التبرير الشرعي لها ما أمكن كلما كان فيها نفع للبشر بدون تعارض مع الدين ليستفيد عالمنا الإسلامي منها، ويتشجع علماؤنا على المساهمة في إثرائها. ونذكر مثالا على ذلك زرع أعضاء الإنسان والحيوان في جسم الإنسان المَعُوق. ولقد اقتحم مجمع الفقه الإسلامي بجدة جملة من هذه المستجدات منها حكم الشرع في أطفال الأنابيب، ونقل النطف، وقضايا الاستنساخ البشري، وزرع أعضاء الإنسان والحيوان في جسم الإنسان المضطر إليها، غير ذلك من المستجدات التي عرفها القرن الحاضر، وعُقدت لمعالجتها ندوات علمية مرموقة، أثاب الله أصحابها عما بذلوه في شأنها من جهد مشكور وعمل –إن شاء الله- مبرور. والمطلوب أن يتابع المجتهدون من علمائنا والمختصون في الشؤون العلمية الصحية تطور المستجدات لضبط وقائعها بميزان الشرع وإثراء القوانين بأحكامها الشرعية. | ||
عبد الهادي بوطالب بين السياسة والديبلوماسية الأربعاء 24 أبريل 2024 |
في الذكرى 14 لوفاة الأستاذ الكبير عبد الهادي بوطالب الجمعة 15 ديسمبر 2023 |
رواية الأستاذ عبد الهادي بوطالب "وزير غرناطة" في ندوة علمية بفاس (الأربعاء 17 ماي 2023) الأربعاء 24 مايو 2023 |
قراءة في مذكرات الأستاذ عبد الهادي بوطالب (ندوة فكرية)بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاته. (السبت 14 دجنبر 2019) الثلاثاء 14 مارس 2023 |
حرب القلم من أجل الاستقلال والديمقراطية في المغرب الاثنين 27 فبراير 2023 |