الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: الشريعة والفقه (15)

الخميس 20 مايو 2021

من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.

وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.

الشريعة والفقه 

الحلقة (15)

ولا بد لنا –ونحن نتحدث عن الاجتهاد وازدهار الفقه في هذا العصر- أن نفرق بين الشريعة والفقه. فالشريعة هي الدين الإلهي الذي جاء في القرآن والسنة الثابتة عن الرسول. وهي أسمى تعاليم الإسلام. وتقتعد في المنهج الإسلامي القمة في سلم التشريعات. وما يأتي بعدها يجب أن يكون تابعا لها ومتفقا مع أحكامها على غرار ما يسمى اليوم في القانون الدستوري بدستورية القوانين، فالقوانين كلها تخضع وتتبع التسلسل القانوني. والدستور أسمى قانون، والقوانين تابعة له وتُلغَى إذا ظهر عدم دستوريتها أي مطابقتها للدستور.

أما الفقه فهو فكر بشري اجتهادي يدرس ويستنبط الأحكام الشرعية من أصول الشريعة، لتتقيد المجتمعات الإسلامية بها وتحكم بها، وتُغني نظمها، وتجعل حياتها منضبطة بضوابط، لكن هذه الأفكار قابلة للمراجعة وإعادة النظر في مضامينها، ولا كذلك مضامين الشريعة التي هي ثوابت لا تقبل التغيير.

عصر التقليد والاتباع :

في منتصف القرن الرابع الهجري طُوي عصر المجتهدين والتدوين وعصر الفقه الذهبي، ودخل المسلمون في عهد تقليد المذاهب الفقهية التي كانت في العصر المتقدم، فاقتصروا على العمل بها ولا سيما المذاهب الأربعة التي انتشرت على طول دار الإسلام، وساد كل منها قطرا أو أقطارا إسلامية.

وقد ورد في “كتاب الإنصاف في بيان سبب الاختلاف” للدهلوي وصف لما آل إليه وضع التقليد في زمانه، مما حدث بعد المائة الرابعة واستمر بعدها فقال : “ثم بعد هذه القرون كان أناس آخرون ذهبوا يمينا وشمالا، وحدثت فيهم أمور، منها الجدل والخلاف في علم الفقه. ومنها أنهم اطمأنوا بالتقليد ودب التقليد في صدورهم دبيب النمل وهم لا يشعرون. ومنها إقبال أكثرهم على التعمقات في كل فن، فمنهم من زعم أنه يؤسس علم أسماء الرجال ومعرفة مراتب الجرح والتعديل ثم خرج من ذلك إلى التاريخ قديمه وحديثه، ومنهم من تفَحص عن نوادر الأخبار وغرائبها، ومنهم من أكثر القيل والقال في أصول الفقه. واستنبط كلﱞ لأصحابه قواعد جدلية، وأورد فاستقصى، وأجاب فتقصى، وعَرﱠف وقَسم فحرﱠر، وطوﱠل الكلام وتارة اختصر. ومنهم من ذهب يفرض الصور المستبعَدة التي لا يتعرض لها عاقل”.

إن هذا الحد الجامع المانع –كما يقول المناطقة- المشخص لوضع التقليد في عالم الإسلام تُغني شهادته الحية عن كل إضافة أو تعليق، لكنه يَغْنَى ويتعزز بشهادة أخرى جاءت من ابن خلدون في مقدمته حيث كتب ما يلي : “ووقف التقليد في الأمصار عند الأئمة الأربعة. وسد الناس باب الخلاف وطَرْقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خُشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء، كلﱞ بما اختص به من المقلدين، وحظروا أن يُتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب، ولم يبق إلا نقل مذاهبهم وعمل كل مقلد بمذهب من قلد منهم. لا محصول اليوم للفقه غير هذا. ومُدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده”.

ولشيوع التقليد والانصراف عن الاجتهاد والدعوة إلى تركه قل المجتهدون في هذا العصر، وكان مع ذلك من بين هذه القلة الطحاوي الحنفي، وأبو بكر الصيرفي الحنبلي، وابن المواز والقاضي عبد الوهاب المالكيان، وهم من يسمون بمجتهدي المذهب الذين كانت لهم موافقات مع مذهبهم أو بعض مخالفات معه. كما أن من بينهم ابن حزم من الظاهرية.

كما نبغ في هذا العصر عدد من الفقهاء وتميزوا ببحوثهم الفقهية كالباجي الأندلسي، وابن رشد (الجد) القرطبي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني، وأبي بكر المشهور بابن العربي المعافيري صاحب الأحكام الصغرى. وكلهم عُرفوا بالتضلع في البحث لكن دون أن يأتلف مذهب من بحوثهم.

وما دمنا قد وصلنا إلى مرحلة التقليد وتوقف مؤسسة الاجتهاد عن العمل، ينبغي أن نذكر أن الاجتهاد فرض كفاية وليس فرض عين على كل عالم بالدين وأحكامه. فإذا قام به عالم واحد أو جماعة من العلماء في جماعة إسلامية ما سقط التكليف به عن سائر الجماعة، وإن تخلى عن القيام به جميع القادرين عليه أثموا جميعا لأنهم عطلوا رسالة ترسيخ تعاليم الإسلام، وصرفوها بالجمود عن الامتداد عبر العصور وعلى طول المعمور. وبمقتضى ذلك قال علماؤنا لا يجوز خلو الزمان من مجتهد، لتستمر مؤسسة الاجتهاد بدون انقطاع. وقد ذهب إلى منع توقف الاجتهاد الحنابلة وبعض الشافعية مستدلين على حكمهم هذا بقوله (ص) : “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله”، وأضافوا أن الاجتهاد لا يتوقف إلى يوم القيامة أو على الأقل إلى ظهور أشراط الساعة.

وهذا كله يؤكد الحرص على استمرار مؤسسة الاجتهاد وعدم التفريط فيها والتهاون بشأنها، لأن عليها مدار بقاء الدين صالحا لكل زمان ومكان. وبصلاحه والتقيد بتعاليمه تصلح المجتمعات، ويحقق الإنسان خلافته عن الله في الأرض.

باستمرار الاجتهاد اكتملت الحضارة الإسلامية. وهو الذي جعل منها حضارة مؤمنة عالمة أو حضارة الإيمان والعلم. وهو الذي جعل التقدم العلمي الذي خطت هذه الحضارة على مدارجه يتواءم معها، ولا يشكل عرقلة في طريقها نحو التطور ومسايرة الفن.

 

 

أخبار و أنشطة و منشورات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي