الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: احتواء الأزمات المذهبية (10)

الخميس 20 مايو 2021

من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.

وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.

احتواء الأزمات المذهبية

الحلقة (10)

من أجل ذلك لا بد من العمل على احتواء الأزمات المذهبية حتى لا تنفجر أمام أعيننا فجأة. ويُشرع في مسلسل الاحتواء بالقيام بحملة توعية شاملة تضع اختلاف المذاهب في مساره الصحيح، فيُقدﱣم للمجتمعات الإسلامية في شكل تنوع وإثراء لا في شكل تضاد وفرقة. وتقع مسؤولية هذه التوعية في العالم الإسلامي على كاهل الحكومات والبرلمانات والمجالس ومكوﱢنات المجتمع المدني، من أحزاب وهيآت سياسية وجمعيات حكومية وجمعيات دينية ونواد ثقافية، وعلى الأكاديميات العلمية ومنابر الجامعات والكليات، ولا سيما كليات الشريعة، ومحاضرات تاريخ الإسلام، وتاريخ التشريع الإسلامي، ودروس مادة الاختلاف بين المذاهب. وتُباشَر مسؤولية التوعية هذه كذلك بالأخص من وزارات التربية والتعليم، والثقافة، والإرشاد، والإعلام، والأوقاف والشؤون الإسلامية، وجميع المرافق الحكومية المختصة في الشؤون الإسلامية عبر العالم الإسلامي.

وتنطلق حملة التوعية من مضامين الفكر الديني المنفتح المؤمن بالتقريب، ويمثله العلماء المؤهلون لذلك. وينصب دورهم في المرحلة الأولى على جرد لما بين المذاهب من وفاق في المسائل الاجتهادية، ويُعتبر الاتفاق عليه شريعة الإسلام الواحد الذي تُجْمع المذاهب على الإيمان به والعمل بأحكامه، وعلى جرد آخر لمجالات الاختلاف، على أن يركز العلماء على أن الاختلاف بين المذاهب شأن هين ويظل موضوع حوار بين الأطراف المعنية، وأنه قابل للوصول به إلى اتفاق.

6-كتب التقريب :

وأقترح أن تنشر حصيلة الجردين في كتاب أو أكثر. وتوزع هذه الكتب مجانا في العالم الإسلامي، ويكون لها أكثر من مؤلف، كل واحد منهم ينتمي إلى مذهب. ويُختار المشاركون في تأليف هذه الكتب من بين القمم العلمية في كل مذهب. ويحتوي كل كتاب على مقدمة ممضاة من المؤلفين تبين أن ما يجمع بين المسلمين أكثر مما يفرق، وأن اختلاف بعض العلماء على الفروع القابلة للاتفاق عليها معطى إيجابي كفيل بأن يتحقق به ما جاء في الحديث عن تشبيه المسلمين بالجسد الواحد في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم. ويمكن أن تشارك كذلك في سلسلة هذا الكتاب أقلام متخصصين من غير علماء الدين، يكون دورهم تقديم تاريخ اختلاف المذاهب بقراءة جديدة من منطلق أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ولا يعوق دون الوصول في شأنه إلى اتفاق. كما ينبغي أن يستهدف هؤلاء الكتاب إبراز ما يحدثه الاختلاف من آثار إيجابية على تطور الفكر الديني وعلى انتشار الإسلام عبر العالم.

مطلوب من مجمع الفقه الإسلامي أن تكون له هو أيضا مساهمة في هذا الكتاب أو الكتب، فالمجمع يضم علماء من المذاهب الإسلامية، وتزكيته تجعل من كتب التقريب مرجعا فقهيا معتمدا.

أما عن منهجية الكتاب فالأولى أن يعتمد فقه التيسير في الأحكام ويرجحه على فقه التعسير حيثما وجد هذا النوع الميسر من الأحكام، وفي أي مذهب كان حتى يبقى الإسلام دين السماحة واليسر ويقبل عليه الناس لما يجدونه فيه من مسايرة الفطرة : “وما جعل عليكم في الدين من حرج” (سورة الحج، الآية 78). “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها” (سورة البقرة، الآية 286) “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (سورة البقرة، الآية 185). وجاء في السنة قول الرسول عليه السلام : “إن هذا الدين يُسر. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدﱣدوا وقاربوا وأبشروا”، وعن عائشة رضي الله عنها : ” ما خُير رسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما”.

7-الإعلام في خدمة التقريب :

إن ما أصبحت عليه في عصرنا مصادر الإعلام من تنوع وامتداد واسع عبر الأرض والفضاء، وما حققه الإعلام من طفرات مذهلة بانتقاله من الإعلام المكتوب المقروء إلى السمعي البصري ثم إلى بثه عبر القنوات الفضائية، كل ذلك جعل من المنشورات والكتب ظواهر متجاوزة، خاصة بعد أن أصبحت شبكة الأنتيرنيت تغزو الإعلام بقوة لتصبح مصدره الأول بسهولة ويسر، مما يعني أن حضارة الورق القائمة على صناعة الكتابة والتدوين التقليدي تحتضر وتمضي في العهد الإليكتروني إلى نهايتها.

وحتى نكون أبناء عصرنا وجديرين بالانتساب إليه علينا أن نستغل هذا الفيض الدافق على البشرية التي جاءت به علوم الإعلام في عالمنا، فنوظف الإعلام بجميع أنواعه في خدمة ديننا شرحا وتفسيرا ودعوة وهديا ودفاعا عنه ضد ما ينسب إليه من ترهات، وما يسام به من نقائص، حتى نُظهره على حقيقته إسلاما سمحا متسامحا.

وقضية التقريب بين المذاهب من بين قضايا الإسلام الأساسية الحيوية، فكلما غزونا بها مصادر الإعلام وجعلنا منها منابر للتوعية نجحنا في مقصدنا وهدفنا من التقريب، سواء لدى المسلمين أو خصومهم أو لدى شرائح الرأي العام الدولي.

8-صحافة التقريب :

بالإضافة إلى كتب التقرير يمكن أن تصدر جريدة عن التقريب أقترح أن يكون اسمها “إنما المؤمنون إخوة”، تكون في متناول العموم، وتقدم دراسات مبسطة عن التقريب وتطور قضيته، والمراحل التي تقطعها وما يُتوقع منها من مساعدة على توطيد وحدة العقيدة والشريعة. كما تنظم ندوات عبر القنوات الفضائية بين قيادات فكرية منتمية إلى مختلف المذاهب الإسلامية، للتحسيس بأهمية التقريب وفائدته وإعطاء البشرى بأن الاختلافات المذهبية في طريقها إلى الوفاق من خلال منجزات التقريب المشتركة بين المذاهب.

9-شبكة الإنتيرنيت :

وللاستفادة من إعلام شبكة الإنتيرنيت أقترح أن تتخذ حركة التقريب موقعا خاصا بها على هذه الشبكة لتغطية أعمال التقريب ونشاطاته المختلفة مما ينشر في كتاب أو كتب التقريب أو جريدته أو مجلاته، أو ما يُعقد لتحقيقه من ندوات وحلقات وأيام دراسية، أو ما يُلقى في موضوعه من محاضرات على كراسي الجامعات وكل ما يتصل بالتقريب.

وفي نطاق ذلك يصبح لزاما على جميع الفرقاء المذهبيين أن يلتزموا في استعمال الإعلام بالتفتح البناء كلﱞ على مذهب الآخر. فلا فائدة من تعبئة الإعلام إذا لم يبرز فيه جهد حملة التقريب والإرادة السياسية للمذاهب المعنية في تحقيقه. وبعبارة أخرى لا ينبغي لأي متحدث على أجهزة الإعلام أن يتعصب لمذهبه ويدعو له، أو يصدر عنه ما يُشتَمﱣ منه الطعن في المذهب الآخر.

إن التغطية الإعلامية يجب أن تتغيى خلق مناخ سليم من التوتر بين المذاهب يسمح بتعايش حميمي صادق. وقد يكون في تبادل الزيارات بين أصحاب المذاهب، واطلاع كل منهم على التراث الفكري للآخر في مصادره ومراجعه، وإقامة ندوات مرة في ديار الشيعة وأخرى في مواطن السنة ما يساعد على خلق هذا المناخ.

10-دور الهيآت والمراكز العلمية :

نقترح أن يضاف إلى برامج الكليات المختصة في قضايا الإسلام عبر العالم الإسلامي إحداث كرسي جامعي للتقريب. وتُدرَج هذه المادة في مواد الامتحانات لنيل الإجازة، كما تشجع الجامعات الطلبة على اختيار موضوع التقريب من جوانبه المتعددة موضوعا لرسائلهم لنيل الإجازة وأطروحاتهم للدكتوراه، وتُنشر وتُعمم فائدتها. وما نقترحه على الجامعة هو ما يمكن أن تقوم به أيضا مراكز البحوث.

ونرى أن تؤسس جوائز سنوية لأحسن كتاب عن التقريب.

11-إنشاء الهيأة العليا للتقريب :

وتتألف الهيأة من عدد محدود من قمة الفكر الإسلامي يمثلون مختلف المذاهب، ويمارسون الإشراف على مسؤولية التقريب وتنسيق جهوده ونشاطاته وتصحيح مساراته عند الاقتضاء. وتكون الهيأة العليا المخاطب الأسمى والمحاور المختص للدول والهيآت المعنية بشأن التقريب. وإلى هذه الهيأة يرجع تحسيس الدول الإسلامية بمسؤوليتها في لم الصف الإسلامي عن طريق التقريب، وتعبئة ما لديها من إمكانات لنصرة قضيته، ومطالبتها بتوظيف وزاراتها ومرافقها الحكومية لخدمة التقريب. وهي التي تتولى الاتصال بالمنظمات الإسلامية الحكومية أو غير الحكومية بشأن التقريب والتعاون معها :

12-دور المنظمات الإسلامية :

تطرح هذه الهيأة العليا قضية التقريب على منظمة المؤتمر الإسلامي، وعلى المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، وعلى مجمع الفقه الإسلامي، وتطلب إليها استصدار قرارات من مجالسها العليا المختصة بتخصيص ميزانية فرعية تصرف لإنجاز مشروع التقريب، وتوضع رهن إشارة الهيأة العليا للتقريب تحت مراقبة المنظمات الثلاث.

وبذلك يضمن مشروع التقريب وسائل عمله وتلتئم جهود المسؤولين عن التقريب بين المذاهب مع جهود الدول الإسلامية التي يصبح عمل التقريب واحدا من اهتمامها، ينطلق منها ويعود إليها، لأنها هي التي يرجع لها أمر تطبيق ما انتهى إليه عمل العلماء والمجتهدين، بسهرها على إدماج نتاج حركة التقريب من أحكام شرعية في صلب القوانين والتشريعات القائمة في الدول الإسلامية، حتى لا تبقى مجرد اجتهادات فقهية لا عمل بها أو يُعمل بها جزئيا أو في بلاد إسلامية دون أخرى.

13-ثقافة التقريب :

إن ما عرضناه فيما سبق لا يشكل برنامجا كاملا للتوعية بقضية التقريب، ولكنه خطوط أساسية يمكن أن تُغنَى بالإضافة والتكملة من لدن المعنيين بشأن التقريب.

وقصدنا منها طرح منهجية للبحث أكثر من ادعاء الإحاطة والشمول. وإن تطبيق هذه الخطوط الأساسية سيخلق ما نسميه ثقافة التقريب بين المذاهب، ويضمن نشرها وتعميمها والوعي بأهمية التقريب وفاعليته في إرساء وحدة الإسلام والمسلمين الذي يبقى الهدف المتوخى من تقريب المذاهب.

أخبار و أنشطة و منشورات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي