الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

عبد الهادي بوطالب وقضايا الإسلام المعاصر: النظام السياسي (5)

الأيام 24 الأربعاء 21 أبريل 2021

من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الأستاذ الراحل عبد الهادي بوطالب، قضايا الإسلام المعاصر. اهتمام الفقيد بهذا الموضوع، يعود من جهة إلى كونه من خريجي جامعة القرويين ، عالما علامة، ومن جهة أخرى إلى كونه تحمل مسؤولية مدير عام للمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم في مرحلة احتل فيها النقاش حول ما سمي بالصحوة الإسلامية، بعد الثورة الإيرانية، صدارة الأحداث والاهتمامات السياسية والفكرية في ذلك الوقت، حيث يجدر القول، بأن نفس القضايا مازالت مطروحة إلى اليوم، والتي خاض فيها الأستاذ عبد الهادي بوطالب بالدراسة والتحليل عبر العديد من المقالات والمحاضرات التي نشر البعض منها في كتاب من جزأين، تحت عنوان، “قضايا الإسلام المعاصر”. وهي كتابات مازالت لها راهنيتها.

وقد ارتأينا بمناسبة شهر رمضان المبارك، أن ننشر على حلقات بعضا من هذه المقالات المنشورة في الكتاب المذكور أو غيره، تعميما للفائدة ومساهمة منا في نشر فكر عبد الهادي بوطالب الذي يعد من رواد الفكر الإسلامي التنويري.

النظام السياسي في الإسلام

الحلقة 5

1-تمهيد

الإسلام في جوهره روح ونظام، ممارسة فردية وجماعية، يرتكز على بنيويات حضارية ثقافية ومدنية حاضرة في وجوده وضامنه لاستمراره. لا يمكن تجاهلها لأنها واقع، ولا يمكن تفويتها ولا إلغاؤها، لأنها من شروط واقعه كذلك، بيد أن الممكن تطويرها وتنميتها. وهذه المرونة هي ما يضمن الحفاظ على روح الإسلام وجوهره وقدراته على الاستجابة للمعاصرة المستقبلية.

وينبثق التشريع في الإسلام من عقيدة ثابتة، هي شهادة التوحيد لله، والإيمان المطلق برسالة الرسول. فالعقيدة الإسلامية تتميز بوحدة النشأة والمبادئ والأهداف. والشريعة الإسلامية ثابتة الأصول، لا مجال لتغيير مبادئها وأهدافها وخصوصياتها. وهي قابلة للتطور والملاءمة باكتساب قوالب وأنماط لا تمس جوهرها وروحها.

لقد بدأت مسيرة الأمة الإسلامية من تحقيق العقيدة الإلهية الإسلامية وإرسائها، ودعوة البشر كافة إليها لتكوين أمة إسلامية واحدة أساسها وحدانية الخالق، ووحدة النبي الرسول، ووحدة القرآن، ووحدة الهدف. كما جاء في القرآن الكريم “وإن هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربكم فاعبدون”.

وعلى ذلك فالأمة الإسلامية تعيش في حدود روحية ضمن وطن المسلمين المشترك الذي هو أرض الإسلام.

إن الأخوة الإسلامية ليست تعاطفات شكلية ولا تقوم على تضامن المصالح والفوائد، وإنما هي أخوة أساسها وحدة الجنس البشري أمام خالقه الواحد السرمدي.

والإسلام هو إسلام الوجه لله، أي الاستسلام للخالق وحده، والدخول مع عباده في حالة السلم لتحقيق عمل بشري مشترك، هو طاعة الله وعبادته واتباع أحكامه، وتعمير الأرض وتنميتها، والسير بها متطورة مستجيبة لنهضة الفكر ونمو الوجدان، ليستحق الإنسان الخلافة عليها بعد أن جعله الله أهلا لذلك.

ويلزم بداهة من هذا المنطلق أن يتحرر الفرد المسلم من العبودية لأية سلطة أخرى غير سلطة خالقه، وأن ينسلخ من الخوف ليستطيع الانطلاق للبناء، وليكون قادرا على الاستفادة من إمكاناته الجسمية وطاقته الروحية، متساويا مع غيره من الناس دون شعور بالضعة والدﱠنية، أي أن يكون المسلم حرا كريما متساويا مع غيره من أبناء جلدته.

2-النظام السياسي في الإسلام :

إن النظام السياسي وليد علم تجريبي اجتماعي. وهو في الاسلام علم تطبيقي منتزع من الأصول القرآنية والأحاديث النبوية. ونجد في القرآن الكريم والسنة النبوية جميع الإصطلاحات السياسية، ككلمات دولة، وأمة، وسيادة، وشعب، وحكومة، وولاية، وطائفة، وشورى، وعدل، ومساواة، وإجماع، وقضاء، وحراسة، ومالية، وتشريع، وغنيمة، وفَيْء، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وسلطان، وملك، وأمير، ووزير، وقاض، وحرب، وسلم، وجزية. ولجميع ذلك أصول ومعاني واضحة في القرآن، مفسرة في السنة والإجماع. ولذلك يمكن القول إن الفكر السياسي الإسلامي قائم على الشريعة الإسلامية تنظيرا وتطبيقا. ولم يحتج علماء النظم الإسلامية في كتاباتهم إلى تحليل منشأ ظهور الدولة في الإسلام، كما احتاج إلى ذلك فقهاء القانون الغربي، لأن الأصول الإسلامية ذكرت بوضوح في نصوص القرآن وما ورد في السنة من أحاديث وأفعال وتقريرات، فلم تكن سياسة نظام الدولة بمعزل عن المفاهيم الدينية، ولم يكن علم السياسة علما دخيلا على الإسلام ولا مستقلا عنه كما كان ذلك بالنسبة للديانة المسيحية، حيث نجد العلوم السياسية منفصلة عن علم الدراسات اللاهوتية (théologie) أو كما في الفلسفة اليونانية، حيث تطورت المصطلحات عبر العصور وعلى يد مختلف الفلاسفة، فاختلفت باختلاف المدارس الفلسفية.

وبما أن الإسلام دين شمولي، ودعوة عالمية أبدية، فلم يكن من المنطق أن يخطط بتدقيق تنظيما مفصلا لجميع مبادئ الحكم، ويحدد أنماطه تحديدا كاملا، لئلا تعترض استمراره مقتضياتُ التطور أو تحرمه ملاحقة التغيير في البيئات والأزمان. ولهذا فقد وضع القرآن المبادئ الكلية تاركا الفروع لاجتهاد العلماء، لئلا يتخلف المسلمون عن ركب الحضارة. فالمبادئ أساسية، والأصول الكلية واحدة. وهي تحقيق الكرامة والعدل والمساواة للفرد والجماعة عن طريق نظام الشورى الذي لم يحدد التشريع الإلهي أشكاله وتقنياته واكلا ذلك إلى كل عصر وجماعة.

ولقد ارتبطت السياسة في الإسلام باعتبارها جزءا من السلوك الاجتماعي المعتمد على المبادئ والأخلاق الإسلامية، فالسياسة في الإسلام جزء لا يتجزأ من العقيدة، وكل ما يتصل بسلوك الناس في الأرض مقنن بتشريعات إلهية. ولذلك فالأخلاق جزء من السياسة. والسياسة بدورها أخلاقية محض. ورغم أن ابن خلدون يفرق بين المُلْك الطبيعي أي السياسي الصرف، وبين خلافة صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا، فهو لا يقيم فروقا أخلاقية بقدر ما يطرح تخصصات في ممارسة مهام الحكم.

وقد كان من أثر وحدة العقيدة والسياسة في الإسلام وعلاقة ذلك بالدولة المسؤولة عن رعاية مصالح الدنيا والدين أن كان المسلمون أكثر وعيا ويقظة لمراقبة الدولة، وأكثر حرصا على توفير الحرية لمعارضة القائمين على الحكم، لأن سياسة الإسلام واضحة للجميع. ولذلك فمعارضة الانحرافات السياسية سهلة المأخذ، لأن صلتها بالدين قوية لا تنفصل عن المسائل الأخرى. فالمعارضة في الإسلام واضحة المعالم وضوح سياسة الإسلام نفسها. إن هدفها مساعدة الحاكمين على انتهاج سياسة أكثر عدلا وارتباطا بالنظام الإسلامي عن طريق المراقبة التقويمية.

وقد تبلورت المعارضة بعد ظهور امبراطورية إسلامية كبرى استوعبت شعبا وأمما ذات أنظمة سياسية مختلفة كالفرس والروم، فظهرت مجموعة متماسكة من الآراء السياسية الإسلامية كشفت عن طبيعة الدولة الإسلامية وتطور جمْعها بين الأوامر الدينية والمصالح الدنيوية، دون أن يضيق الإسلام بذلك نتيجة قدرته على الاستيعاب والتطور لتحقيق العدل والمساواة. وهي أهدافه العليا، مما أعطى للدولة الإسلامية خصوصيات متميزة.

أخبار و أنشطة و منشورات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي