الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

تعريف القرآن (الحلقة 6)

  • تعريف القرآن

يعرف علماء الإسلام القرآن "بأنه الكتاب الذي لا ريب فيه، المحتوي على نبإ من قبلنا وفيه خير ما بعدنا وحكم ما بيننا"، وهو اقتضاب جامع لمضمون القرآن.

وتتصدر المصحفَ القرآني السورةُ الأولى منه التي يطلق عليها الفاتحة، أي مقدمة المصحف لا مقدمة القرآن، لنزولها بعد آيات أخرى نزلت في بداية الوحي، لأنها فاتحة السور التي يقرأ بها المسلمون وجوبا في صلاتهم، أما قراءة سورة من القرآن في الصلوات فهو مندوب فقط. والآية الأولى التي نزلت –كما قدمناه- هي آية "اقرأ باسم ربك الذي خلق" (من سورة العلق 96 الآية 1).

والفاتحة –وإن كانت سبع آيات- فإنها تشكل اختصارا جامعا لمحاور القرآن ومقاصده : هذه المقاصد هي الدعوة للتوحيد، وتبشير المومنين، وإنذار المشركين والكافرين والمنافقين، وتشريع الأحكام، وذكر قصص المؤمنين بالرسالات السماوية وقصص الجاحدين لها، والآيات السبع تختصر ذلك كله، ولاحتوائها المقاصد القرآنية سميت "أم الكتاب"، و"أم القرآن"، كما سميت "السبع المثاني"، أي الآيات السبع التي يثَنيها أي يكررها المؤمنون ويعبدونها بالليل والنهار في صلواتهم.

والقرآن يعرف نفسَه في عدة آيات تصلح كل منها لتكون له عنوانا، من ذلك الآية 138 من سورة آل عمران (3)"، هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين"، والآية 52 من سورة إبراهيم (14) القائلة عن القرآن : "هذا بلاغ للناس وليُنْذَروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب".

وقد تحدث القرآن نفسه في غير ما آية عن طبيعته وقاصده، وخاصة بما أطلقه على نفسه من صفات، فهو في سورة البقرة (2)، (الآية 1) كتاب الهداية الذي لا يتطرق الشك إليه : "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، وهو في سورة الزمَر (39)، (الآية 28) القرآن العربي المستقيم "قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون"، وتكرر هذا التعبير في سورة الزخرف (43)، (الآية 2 و 3) "حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون".

وهو أيضا الكتاب الذي يضرب الله فيه للناس الأمثال : "ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مَثَل" (سورة الروم 30، الآية 58)، وجاء في سورة الكهف (18)، (الآية 54) "ولقد صَرفْنا في هذا القرآن للناس من كل مثل".

وذكر الله في القرآن هذا الكتاب في عدة آيات باسم الذكر بالذكر، ففي الآية 9 من سورة الحجر (15) : "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، وفي نفس السورة في الآية 6 : "وقالوا يا أيها الذي نُزل عليه الذكر إنك لمجنون"، وفي سورة النحل (16) في الآية '44) : "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون".

وفي سورة يس (36 الآية 69) : "إن هو إلا ذكْر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين"، وجاء في آيات أخرى أنه "ذِكْر للعالمين" أي قرآن عالمي الرسالة.

وقد جاء في القرآن وصفه بالتنزيل أو المنزل على محمد : "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" (الزمر 39 الآية 1)، وهذا يضفي عليه قدسية، لأنه من عند الله العلي "القاهر فوق عباده"، كما جاء في القرآن، لكن ليس تشخيصا لله على أنه يوجد في السموات العلا، إذ الله ليس جسما وليس له مكان، "لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد" (سورة الإخلاص 112 الآية 4)، بل "هو معكم أينما كنتم" كما جاء في القرآن أيضا، والقول بأن لله مكانا ولو كان أعلى مكان أو أنه جسم كفر، وما ورد في القرآن مما يشير إلى التجسيم يؤوله العلماء المسلمين على أنه رمز لصفات معنوية.

وأُطلق في القرآن لفظ الحق على القرآن في عدة آيات، وهو يعني الحقيقة الثابتة، وهو وصف أطلقه الله في القرآن على نفسه، فهو "الحق لا إله إلا هو" : والصادر عن الحق لا يكون إلا حقا.

لكن هذا ا لكتاب اشتهر من بين أسمائه بالقرآن الذي تكرر بهذا الاسم في المصحف، وهو تركيز على أنه الكتاب المتلو بلفظه من جبريل على رسول الله، والذي يجب أن يتلوه المتعبدون به كما هو، وهذا التعبد خصوصية له لا تشاركه فيها السنة، وبالأحرى تفاسير القرآن وشروحه.

ومن أسمائه الفُرْقان أي الفارق بين الحق والباطل لأنه من عند الله : وإنه "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" كما جاء في سورة فصلت (41) في الآية (42)، ولأن الفارق بين المؤمن والكافر هو الإيمان بالقرآن والكفر به.

ومن مجموع ذلك يمكن أن نعرف القرآن بأنه "كلام الله الموحَى به إلى رسوله محمد والمنَزل عليه لإظهار الحقيقة الإلهية للعالم أجمع المتمثلة في إلاه واحد لا شريك له، هو الأكبر المتعالي، وما عداه عباده، حتى المرسلون والأنبياء منهم، جاء تذكيرا وتبشيرا وإنذارا، مفرقا بين الحق والباطل، ومحددا للبشر سلوكهم الأمثل في الدنيا والآخرة، وهو وحده المتعبد بتلاوته".

وكنا أشرنا فيما سلف إلى أن القرآن إما مكي أو مدني، ونضيف أن 86 سورة منه مكية، وأن 28 مدنية، وما نزل بالمدينة أكثره من السور الطوال.

  • مقاصد القرآن المكي والمدني

يبلغ مجموع سور القرآن 114، والآيات 6217، لكن قد ينقص منها البعض وقد يزيد آخرون قليلا بسبب الاختلاف على تحديد مكان الوقف بين الآيات.

ويمكن أن نلخص فيما يلي أهم مقاصد القرآن المكي والمدني : فالأول يحتوي على الأسس العامة التي تقوم عليها دعوة الإسلام : التدليل على وجود الخالق ووحدانيته، وإبطال الشرك والوثنية، وإثبات نبوة الرسول ورسالته إلى الناس كافة، وإثبات وجود حياة أخرى غير الحياة الدنيا التي ستنتهي بقيام الساعة وبعث الموتى للدخول في الحياة الباقية، حيث يجازي الله كل واحد على عمله في الحياة الدنيا خيرا أو شرا، كما يتضمن القرآن المكي أصول التشريع الأولي للإسلام، كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بدون تفصيل.

أما القرآن المدني فمن بين ما فيه تفصيل التشريعات والتوسع في قواعد إقامة دولة الإسلام وتعاملها مع الغير، ومجادلة أهل الكتاب لإقناعهم بصدق رسالة محمد، وتفصيل البراهين على الحقائق الدينية، والدعوة إلى تحكيم العقل والمنطق لإثباتها، والدعوة إلى التعايش بين الديانات والتفاهم بين الأمم، والنداء إلى السلم العالمية، والدعوة إلى الجهاد بدون سبق اعتداء، والدعوة إلى حسن الأخلاق ونبل المثل في الميدان الاجتماعي.

الاثنين 10 أبريل 2023

الموافق 19 رمضان 1444

 

أفكار، آراء ومقترحات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي