الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

نزول القرآن (الحلقة 5)

 

  • نزول القرآن

 القرآن نزل على الرسول منجما أي مقسطا على أقسام طيلة 23 سنة، منها عشر سنوات بمكة قبل الهجرة إلى المدينة، وثلاث عشرة سنة بالمدينة منذ الهجرة إلى وفاة الرسول، ولذلك يقسم القرآن إلى مكي ومدني.

نزل القرآن في شكل آية أو مجموعة آيات، وتطلق الآية في العربية على ما هو خارق للعادة وحتى على المعجزة كما تفيد البرهان والدليل، وآيات القرآن في شكلها البياني ومضمونها المشحون بالدلالات وكلها إعجاز كما سنبينه فيما بعد، وهي كلها مشحونة بالبراهين والأدلة على إثبات ما جاءت به الرسالة المحمدية، كما كان القرآن ينزل سورا قصيرة كاملة كسورة الفاتحة (1) وسورة الإخلاص (112) وسورة الكوثر (108).

ومن مجموع الآيات تتكون السور وعددها 114، نبدأ في المصحف بالفاتحة وتنتهي بسورة الناس، لكن أول أول آية نزلت على الرسول هي آية إقرأ وما بعدها، وهي الآية الأولى (1) من سورة العَلَق (96)، وآخر آية نزلت هي قوله تعالى : "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (الآية 3 من سورة المائدة 5)، وقد نزلت على النبي في جبل عرفات وهو يؤدي حجة الوداع معلنة نهاية التشريع القرآني ومؤشرة إلى إنهاء الرسول مهمته، وبعد مرور 81 يوما على نزولها التحق الرسول بالرفيق الأعلى.

إلا أن ابن عباس ذكر أنه بعد هذه الآية نزلت الآية 281 من سورة البقرة (1) : "واتقوا يوما تُرجَعون فيه إلى  الله ثم توفى كل نفس ما كَسَبَتْ وهو لا يظلمون". وأن النبي بعد نزولها عاش سبع ليال فقط.

  • جمع القرآن وتدوينه

إن القرآن المجموع في المصحف لم يُدون على ترتيب نزوله في المدى والمكان، لأن نزوله كان يجري طبقا للأحداث الجارية التي كان القرآن ينزل لتوجيه رسول الإسلام والمؤمنين بشأنها الوجهة الصالحة، أو للتشريع فيما جد من نوازل، وإنما جُمع في المصحف على ترتيبه بعد وفاة النبي (632م).

وكان الرسول وعدد كثير من صحابته يحفظون القرآن بعد تلقي الرسول له من جبريل، وكان يأمر من يحسن الكتابة من هؤلاء الحفاظ أن يكتبوا القرآن في الوقت الذي كان ينهاهم عن كتابة أحاديثه حتى لا يقع بينهما التباس، فالقرآن كلام الله، والسنة كلام الرسول، والقرآن متعبد بتلاوته، والسنة ليست كذلك.

وإذا كان حفاظ القرآن من صحابة الرسول لا يُحصَون لكثرتهم فإن كُتابه من الصحابة كانوا يتراوحون بين 26 و42 في طليعتهم الخلفاء الأربعة الأولون : أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وكان أكثرهم كتابة زيد بن ثابت الذي تعلم العبرية أيضا وأخذ يكتب بها، ولكن لم يكتب بها القرآن، وكان يلازم النبي وينقطع لكتابة الوحي، وكان آخر كُتاب الوحي وأقلهم كتابة معاوية ابن أبي سفيان.

وفي البداية كانت كتابة القرآن تتم على جريد النخل، أو صفائح الحجارة، أو عظام الأكتاف، أو أضلاع الشياه والإبل، أو على الخشب، أو قطع الجلد.

وكان الرسول يرشد كتاب القرآن إلى مواضع الآيات داخل السور، وعلى ذلك لم يجز بعض فقهاء الإسلام قراءة المصحف بالتنكيس أي من آخره إلى أوله، وهؤلاء يصفون الترتيب بأنه توقيفي، أي كما وقفه الرسول، فلا يجوز الاجتهاد فيه، بينما يرى آخرون أنه من عمل بعض الصحابة، ولذلك لا تمنع قراءة القرآن بدون مراعاة هذا الترتيب الاجتهادي.

وبعد وفاة الرسول خاف عمر بن الخطاب على القرآن من الضياع كلا أو جزءا إذا بقي مكتوبا على شكله في عهد النبي أو مُحتفَظا به في صدور الحفاظ، فاقترح على الخليفة الأول أبي بكر أن يأمر بجمع القرآن في مصحف، وبعد تردد من أبي بكر نزل على رغبة عمر، ونادى على زيد بن ثابت وعهد إليه بالإشراف على تدوين القرآن، لأنه كان أكثر كُتاب الوحي كما أسلفناه.

وعن ذلك يقول زيد بن ثابت : "إني ترددت في البداية كما تردد أبو بكر، لأنه كان يرى-كما كنت أرى- أن هذا العمل لم يقم به الرسول في حياته، فلا ينبغي القيام به بعد وفاته، ولكن الله شرح صدري لقبول هذا العمل كما شرح الله صدر أبي بكر لقبول اقتراح عمر".

واستغرق جمع المصحف عاما كاملا، وكانت لا تُئْبَت آية فيه إلا بعد التأكد منها وسلامتها ومطابقتها لما نزل به الوحي بشهادة اللفيف من الصحابة.

وقد احتفظ أبو بكر طيلة خلافته بمجموع الصحف المكتوبة، وانتقلت بعده إلى عمر الخليفة الثاني، ثم بعد وفاته المفاجئة انتقلت إلى ابنته حفصة.

وعندما تولى الخليفة الثالث عثمان بن عفان أمر بجمع الصحف المكتوبة بعد أن استردها من حفصة بنت عمر، وعهد إلى طائفة من كتاب الوحي ممن بقُوا بالحياة أن يجمعوها في مصحف واحد، وكان من بينهم زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام. وكان هذا المصحف هو الذي وقع على صحته إجماع الصحابة، واشتهر باسم مصحف عثمان أو المصحف العثماني، ووحد عثمان هذا المصحف على قراءة واحدة، ونسخ منه سبع نسخ وزعت على ست عواصم كبرى من خلافته، وهي : مكة والشام واليمن والبصرة والكوفة والبحرين، وبقيت نسخة واحدة عنده بالمدينة أصبحت تعرف بمصحف الإمام أي مصحفه، وأمر بأن تُحرق بعد هذا التدوين جميع الصحف المكتوبة من القرآن إن وُجدت وحيثما وُجدت، باستثناء صحف حفصة التي ردها إليها بعد تدوينها في المصحف.

الخميس 6 أبريل 2023

الموافق 15 رمضان 1444

أفكار، آراء ومقترحات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي