الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

تــــــــنــــــــــزيــــــل الــــــقـــــــــــرآن (الحلقة 4)

القرآن المنزَل بالوحي على محمد

القرآن آخر الكتب السماوية المنزلة على الرسل، وهو كلام الله الذي ليس لمحمد فيه إلا تبليغه كما أنزل عليه بلفظه، وبذلك يختلف عن الأحاديث النبوية التي هي من إنشاء الرسول بإلهام من الله، فالرسول كما قال عنه القرآن : "وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى" (سورة النجم (53) الآية 3).

ويدخل في الإيمان بالإسلام الإيمان بالرسل السابقين، كجزء لا يتجزأ من الإيمان برسالة محمد، وكذلك الإيمان بالكتب المنزلة عليهم من عند الله : "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"، (سورة البقرة (2) الأية 136). ومن لم يؤمن –كما جاء في هذه الآية- بالرسل السابقين والكتب المنزلة عليهم فهو عند المسلمين كافر، ويدخل في الكتب والرسل أنبياء بني إسرائيل ورسلهم وكتابا التوراة والإنجيل والكتب الأخرى، وهذا يدل على أن الإسلام يقبل الديانات السماوية الأخرى، ويتعايش مع معتنقيها، وأنه هو الذي لا يقبله الآخرون. لكن المسلمين يؤمنون بأن محمدا خاتم المرسلين، وأن القرآن آخر الكتب المنزلة، فلا نبي بعد محمد ولا كتاب بعد القرآن.

  • الـــــــوحـــــــي

-ويعني الوحي مخاطبة الله للرسل مباشرة أو بواسطة ملك الوحي، لكشف الحقيقة لهم دينا ودنيا، وتكليفهم بتبليغ الرسالات كما أنزلت عليهم لقومهم خاصة، أو للبشر كافة. فموسى خاطبه الله مباشرة، فهو كليم الله، والقرآن يعترف له بهذه الميزة.

وبقية الرسل خاطبهم الله بالوحي بواسطة ملك الذي هو في الإسلام جبريل عليه السلام، والذي يُعبر عنه أحيانا بلفظ الروح أو روح القدس، وعدد من الرسل أرسلوا لقومهم خاصة، ورسالة محمد عامة للبشر جميعا : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، (سورة الأنبياء 21 الآية 107). وفي (سورة سبأ رقم 34) نقرأ الاية (رقم 28) التي تخاطب الرسول : "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا".

وكلمة الوحي في العربية تعني الإعلام في خفاء، او تفهيم وإظهار ما خفي فهمه، والوحي درجات، ويتم بعدة أشكال، فقد يكون مجرد إلهام يقذف الله به في ذهن شخص وقلبه يُظهر له به الحقائق ويطلعه به على ما خفي. وقد جاءت كلمة الوحي بمعنى الإلهام حتى بالنسبة للنحل في سورة النحل (16 الآية 68) : 'وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا"، وقد يكون ذلك عن طريق رؤية في منام أو يقظة، فتظهر الأحداث طبقا لما رأى الملهَم أو لما ألهِم، وهذه مرحلة يصل إليها الأنبياء الذين لم تنزل عليهم كتب لتبليغها، فيلهمهم الله بذلك الخير والصواب والحكمة، ويجنبهم الوقوع في الإثم والمعصية، ويصلون بذلك إلى درجة العصمة.

وكانت هذه أولى المراحل في حياة محمد قبل نزول الوحي عليه : شهدت خديجة زوجته الأولى قبل بعثته أنه "كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح"، أي إلا صدقتها الأحداث، وكانت مرحلة الإلهام هذه أساسية بالنسبة لحياته الأولى إلى سن الأربعين، حيث كان يشار إليه على أن له خصوصيات خلقية تميزه عما اصطلح عليه المجتمع الجاهلي من عادات وأعراف وأخلاق، ومن هذه الخصوصيات أنه لم يخض مع المشركين فيما كانوا يخوضون فيه لا عقيدة ولا سلوكا، يقول محمد راويا عن حياته قبل البعثة إنه لم يلب إلا مرة واحدة دعوة لهو وطرب، فما أن دخل حتى غشيه النوم، وما أفاق إلا على نهاية الحفل، أما الدرجة الأسمى، فهي مخاطبة الله مبعوثه ورسوله عن طريق ملَك الوحي، وهذه المرحلة الثانية التي انتهى إليها نبي الإسلام فأصبح بها رسولا.

وقد نص القرآن على أشكال إلهام الحقيقة وطرائق مخاطبة الله لبعض من يختارهم لذلك، فقال في سورة الشورى (42 الآية 51) : "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء".

ويرى المسيحيون أن عيسى المسيح هو كلمة الله التي تمثلت في صورة بشر، والقرآن قال عن عيسى إنه كلمة الله دون أن يحدد معنى ذلك، ولكنه نفى أن لا يكون بشرا أو أن يكون ابنا لله أو جزءا منه، ويضيف المسيحيون أنه ابن الله الذي يخاطب البشر مباشرة برسالته دون حاجة إلى ملك وحي، مادام هو كلمة الله، بينما ينكر الإسلام أن يكون لله زوجة أو ولد، أو أن يشبهه كلا أو بعضا أحد.

وقد حفلت السيرة النبوية بصور دقيقة عما كان يشاهده الصحابة أثناء نزول الوحي على الرسول من أعراض تظهر على جسمه ونفسه، وتحدثوا عن تفاصيل ذلك كشهود عيان، ولم يعترض على شهادتهم معترض، فعائشة صغرى زوجاته تشهد ومعها والداها أنه كلما نزل الوحي على رسول الله محمد في بيتها إلا ولاحظ الحاضرون أن "جسم الرسول قد احمر، وأن العرق يتصبب منه كحبات اللؤلؤ" من ثقل القول الإلهي الذي كان ينزل عليه، وأنه "عندما كان الوحي يتنزل عليه كان لا يبرح أحد منا البيت إلا بعدما يُسرى عنه".

أما عمر بن الخطاب وهو شاهد عيان آخر فقد قال : "كان رسول الله إذا أنزِل عليه الوحي يُسْمَع عند وجهه مثل دوي النحل"، وزيد بن ثابت وهو صحابي ملازم للنبي كان يستعمله النبي للكتابة يقول : "أكتب الوحي لرسول الله بمجرد ما ينزل عليه، وكان إذا بدأه الوحي أخذته بُرَحاء شديدة، وعرقَ عرقا شديدا مثل الجُمان (يستعمل نفس تعبير عائشة)، وكنت أكتب وهو يملي علي، فما أفرغ حتى تكاد رجلي تنكسر من ثقل الوحي، حتى كنت أقول لن أمشي على رجلي أبدا"، وزاد يقول : "ونزلت على رسول الله سورة المائدة وهو راكب على ناقته، فكاد ينكسر عضدها لولا أن الوحي قد انتهى".

وبعض الصحابة قال إنه كان يُسمَع للرسول في أذنيه صوت قوي يشبه صلصلة الجرس، وهذه الأعراض –كعرض الحمى والعرق- كانت لا تظهر على الرسول إلا عند الوحي، وحتى في اليوم البارد، وتنتهي بمجرد نهاية الوحي حتى ولوكان لحظة.

إن الوحي عملية مفاجأة إلهية لا ينتظرها من يوحَى إليه، تاتي بعد اختيار الله من يؤهله من عباده لها، هم طبقة "المصطفَيْن الأخيار"، ومن صفات الرسول التي أصبحت أحد أسمائه صفتا "المصطفى" و"المختار"، والقرآن يقول : "الله أعلم حيث يجعل رِسَالَته" (سورة الأنعام 6 الآية 124).

وكان نزول الوحي على النبي محمد مفاجأة حقا، كان أوله مخاطبة المَلَك له وهو في عزلته بغار حراء (جبل في مشارف مكة) عندما "أخذ المَلَك يعتصره بقوة حتى أجهده"، كما قال هو نفسه متحدثا عن الوحي، فعل به ذلك ثلاث مرات حتى ارتجف فؤاده وخاف على نفسه، فانطلق في الحين إلى زوجته خديجة خائفا مرتاعا فأسَرها خير ما تحمل، فطمأنته وقالت له : "لن يخزيك الله أبدا"، لأن لك من صفات البر والتقوى وأعمال الخير ما لا يكون له إلا حسن الجزاء.

ويقول من أرخوا للوحي المحمدي إنه كان يفاجئ الرسول ليلا ونهارا في السفر  والحضر، راكبا أحيانا، وجالسا أحيانا، ومضطجعا أخرى.

والوحي (الذي يشكل الخيط الرابط بين الأرض والسماء بواسطة ملك مخلوق على غير خلقة البشر، وهو الواسطة بن الله وبين المختار لتحمل أعباء الرسالة) لابد أن يكون فعله ذا وطأة شديدة على بشر من لحم ودم، فكان طبيعيا وربما حتميا أن يتم الوحي بظهور الأعراض الجسمية التي أشار إليها شهود العيان.

وقد وضع مشركو قريش على الرسول في مواجهة دعوته إشكالية بعث الرسول بشرا وجاء ذكره في الآية 7 من سورة الفرقان (25): "وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا".

لكن الرسول كان دائما يؤكد على بشريته، ويأمره الله (دائما بكلمة قل) أن يعلن للناس أنه بشر مثل البشر، وأنه لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، وأنه لا يملك للمشركين من دون الله أحدا.

الاثنين 4 أبريل 2023

الموافق 13 رمضان 1444

 

أفكار، آراء ومقترحات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي