الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

محمد النبي والرسول (الحلقة 3)

محمد النبي والرسول )

  • النبي هو إنسان يرفعه الله إلى رتبة النبوة التي تعني نزول الوحي من الله عليه بشرع لا بطلب الله منه تبليغه الناس، فهو يعمل به لنفسه دون أن يدعو إليه.
  • والرسول هو من يوحي الله إليه بشرع وبطلب منه تبليغه إما لقومه وإما للناس كافة، فتصبح نبوته رسالة، والرسالة بذلك خاصة وعامة، ورسالة محمد عالمية.

وهكذا فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، والأنبياء المرسلون أقل عددا من الأنبياء الذين يعدون بالمآت ولا يكادون يُحصَوْن لكثرتهم، أما الرسل فقيل إن عددهم 313، وقد ركز القرآن في آيات عديدة على أن محمد نبي ورسول، وأنه "أرسل للناس كافة" "ورحمة للعالمين".

وجاء في القرآن تفصيل لوقائع تاريخ الأنبياء وتاريخ الرسل، ومن بين هؤلاء موسى الذي أنزل الله عليه التوراة، وعيسى الذي أنزل الله عليه الإنجيل.

ويرى علماء الدراسات الدينية من المسلمين أن الأنبياء درجات، وأن قمتهم إبراهيم، وأن من بين الرسل نوعا متميزا هم أولو العزم الذين أشار الله إليهم بهذا الوصف في القرآن، أي أصحاب الإرادة الذين امتُحنوا فصبروا على إذايتهم وانتصروا، وعددهم ستة هم : نوح، وأيوب، ويونس، وموسى، وعيسى، محمد خاتم النبيين والمرسلين، ولم يتحدث التاريخ منذ وفاة محمد وإلى اليوم عن ظهور رسول صادق أضيف إلى سابقيه من الرسل، مما يؤكد إلى اليوم أن محمدا خاتم النبيئين والمرسلين.

  • محمد الأمي

والأمي هو الذي لا يقرأ ولا يكتب، وكانت الأمية سائدة في عرب الجاهلية، ولذلك كانوا يوصفون بالأميين : "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم" (الجمعة س 63) (الآية 2) أي بعث في العرب الأميين رسولا من فصيلتهم.

والأمية وصف خص الله به الرسول محمدا عليه السلام من بين نظرائه الرسل، إبرازا للإعجاز العلمي والعقلي الذي جاء به المتمثل في القرآن، ودليلا على صدقه في الرسالة التي أوحى الله إليه بها حتى يتضح أن أوصافه كمالات إلهية، وليس من أثر تلقيه المعرفة والعلم من بشر أو كتاب.

لذلك فأميته كمال، وهي عند غيره نقصان، لأنها تدل على أن وراءه وحيا مرتكزا على العقل والعلم لا يرقى إليه العالمون، وبالأحرى الأميون.

وعندما أخذت دولة الإسلام تستقر على تنظيمات، اتخذ النبي له كُتابا، والإجماع قد وقع على أن الأحاديث مصوغة بألفاظ النبي ونطقه، لكن إجماع المسلمين وقع من جهة أخرى على أن القرآن كلام الله وليس من صنع محمد، كما سنرى فيما بعد.

  • محمد العربي

لقد وُلد بالجزيرة العربية وهو سليل القبائل من صفوة العرب ونشأ في المجتمع العربي، لكن بعثته ممتدة إلى الناس كافة، وقد نزل القرآن بلغة العرب طبقا للمعروف في الرسالات من بعثة الرسل للدعوة بلغة قومهم ليتم التواصل : "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم" (سورة إبراهيم رقم 14) (الآية 4).

ولما كانت انطلاقة الإسلام من أرض عربية، فإن القرآن لم يكن لينزل على رسول عربي بغير العربية، ليتحقق التواصل كاملا بين الله ورسوله من جهة، وليتمكن المجتمع الإسلامي الأول من فهم تعاليم السماء وتلقي دعوة الدين بكامل الوعي لينشرها خارج حدود الجزيرة العربية.

وفي ذلك يقول الله في القرآن عن الكتاب المنزل على النبي العربي : "إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون" (سورة الزخرف (43) (الآية 3).

وجاء في سورة فُصلت (41 الاية 3) "كتاب فُصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون".

وانتماء الرسول إلى العرب لا يعني أن رسالته عنصرية أو إقليمية، بل هي رسالة عالمية متجاوزة الحدود الفاصلة، أي حدود العنصر والجنس والإقليم والتراب، فقد جاء في القرآن : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحُجرات رقم 49 الآية 13).

ونفى الرسول عن الإسلام دعوة العنصرية في حديثه القائل : "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى". وبذلك صهر العنصر العربي في المجموعة العالمية.

ولم يثبت في مختلف عهود الإسلام أن العرب المسلمين دعوا إلى عنصرية، أو احتكروا مراكز النفوذ ومصادر الثروة باسم تفوق الجنس العربي، فمراكز المسؤولية كان يتبوؤها المستحقون من كل جنس ولون.

إن بلالا بن رباح الأسود، وسلمان الفارسي العجمي كانا ضمن القيادة الإسلامية الأولى، ومرموقَيِن ضمن الصحابة الملازمين للرسول، كما كان ضمن القيادة عدد ممن كانوا في الجاهلية عبيدا أو مستضعفين.

وقد قال محمد أيضا : إن التفاخر بالآباء والأجداد والتباهي بالانتماء إلى العنصر والقبيلة نعرة جاهلية مرفوضة من الإسلام، وإن الإسلام جاء لتطهير النفوس والعقول منها.

وهذا مظهر أو مجال من مظاهر ومجالات الدعوة التحريرية الكاملة التي جاء بها الإسلام.

  • محمد الصادق

ما أكثر ما برزت في حياة محمد من دلائل على صدقه، نتوقف عند اثنين منها على سبيل المثال فقط.

أولهما رد فعله على قصة كسوف الشمس يوم موت ولده إبراهيم، عندما قالت العامة إن الشمس كسفت لموته.

وهذا التأويل كان سيتيح لمحمد لو كان دجالا أو مشعوذا أن يزكيه لاستقطاب نفوذه وترسيخ مشروعيته، معتمدا على سذاجة من أشاعوا قصة الربط بين الكسوف والموت، لكنه كرسول صادق مؤيد من السماء بادر إلى تكذيب الإشاعة وآثر تصحيح العقيدة، فترك ولده مُسَجى في البيت، لم ينصرف إلى دفنه وإنما سارع لدعوة الناس للمسجد ليقول لهم خطيبا من منبره : "ما بال أقوام يقولون إن الشمس كسفت لموت ابني إبراهيم؟ ألا إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم كسوفهما فاهرعوا إلى الصلاة".

وكان هدف هذا التصحيح الرجوع بالناس إلى التوحيد، والابتعاد بهم عن الوقوع في مزالق الشرك، وعن نسبة الخوارق إلى النبي وأهله وذويه.

أما الظاهرة الثانية الدالة على صدقه، فهو استمرار حكمه 23 سنة قضاها وهو يعيش في ظروف مادية متواضعة لغلبة الزهد عليه، كان يعيل خلالها أسرة متعددة النسمات، لكن زوجته عائشة بنت أبي بكر الصديق كانت تردد : "كنا مع النبي نعيش الأيام والليالي وليس لنا من أكل وشراب سوى الماء والتمر".

وخلال هذه الفترة كلها لم يكن له بيت يملكه، ولا رأس مال يستثمره، في حين أن بيت المال الإسلامي كان تحت تصرفه، فمات دون أن يخلف دينارا ولا درهما، وهو القائل : "نحن معاشر الأنبياء لا نورَث : ما تركناه صدقة".

الاثنين 3 أبريل 2023

الموافق 12 رمضان 1444

أفكار، آراء ومقترحات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي