الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شخصية محمد النبي الرسول الأمي العربي (570م-632م)(الحلقة 2)

 شخصية محمد النبي الرسول الأمي العربي (570م-632م)

 

  • الإنسان

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم سليل صفوة العرب، المنحدر من قريش، والبالغ نسبه عبر عدنان إلى إسمعيل بن إبراهيم الخليل أب الأنبياء، ازداد بمكة ودفن بالمدينة في سن الثالثة والستين.

تنقسم حياته إلى فترتين :

  • من ولادته إلى بلوغه سن الأربعين، حيث قضى هذه المدة بمكة.

ب-ومنذ دخوله سن الأربعين وبداية بعثته رسولا إلى الناس كافة وقيامه بالدعوة إلى الإسلام طيلة ثلاث وعشرين سنة.

ولد يتيما إذ توفي أبوه عبد الله وأمه آمنة بنت وهب حاملة به، فنشأ في رعايتها، لكنها لم تلبث أن توفيت وهو في السادسة من عمره، فكفله جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب (والد علي الخليفة الرابع).

عمل راعي غنم وهو في عنفوان شبابه، ثم استعملته سيدة ثرية مكية هي خديجة بنت خُوَيلد الأسدية القرشية (محمد قرشي كذلك) في تجارتها، حيث بعثته إلى الشام ضمن قافلة تجارية، فنجح في عمله وعاد إليها بربح كبير جعلها تكبر صدقه وأمانته، فاختارته زوجا لها فزوجه منها عمه أبو طالب، وكانت أرملة مرموقة في مجتمع مكة. وكان محمد آنذاك في سن الخامسة والعشرين وهي في سن الأربعين.

كانت حياته – منذ ظهر في مكة طفلا فشابا وإلى نزول الوحي عليه – مطبوعة بالشفافية، ومجتمع مكة محدود الفضاء والأفق لا يتستر فيه شئ، وقد أجمع من أرخوا لسيرته على أنه كان في هذه الفترة شابا عاديا، لكنه يتميز بالرصانة والاتزان، فلم يعرف نزوات شباب مكة، ولم يغْشَ قط ما كان في مكة من أماكن اللهو ودور البغاء ونوادي السهرات الحمراء، كما لم يشرب قط الخمر ولا تعاطى الميسر والقمار، ولا عبد أصنام الكعبة ولا اختلى إلى الكهان والعرافين، ولا شارك في تحالفات القبائل العربية ضد بعضها، وأجمعوا أيضا على أنه كان قبل بعثته ميالا للعزلة والتأمل، منصرفا بعد بلوغه الأربعين إلى التعبد منفردا في غراء حرَاء، وأنه كان يقضي فيه ليالي متعددة بعيدا عن زوجته وأهله، ويمكن القول إنه – في هذه الفترة – كان نبيا ثم أوحي إليه بالرسالة، لكن فترة الاختلاء هذه لم تطل كثيرا.

إن خصال الصدق والأمانة والنزاهة والعفة التي كان يتوفر عليها جعلت قيادة مكة تجمع على إكباره، وتطلق عليه – بجانب اسمه محمد – "الصادق الأمين"، مما أصبح معه يشار إليه على أنه محمد الفعل والخلق، المحمود فضله، موضع الثقة.

وهذه الهالة التي أصبح محفوفا بها في مجتمع يحصي الأنفاس على ساكنيه هي التي جعلت زعماء قبائل مكة يلجأون إلى تحكيمه عندما تنازعوا حتى كادوا يقتتلون – وهم يرممون الكعبة – على من يكون له من بينهم شرف رد الحجر الأسود إلى مكانه، فاهتدى بحسه السليم إلى حل توفيقي، مشيرا عليهم بوضعه في رداء وحمْلِهم له جميعا وإرجاعه إلى مكانه، مخولا لهم بذلك شرفا مشتركا. ومنذ ذلك أصبح محمد المرجع ومنبع الحكمة والصواب في مجتمع الجاهلية بمكة.

استمرت حياته مطبوعة بالشفافية أيضا في العشر سنوات التي قضاها بمكة قبل الهجرة إلى المدينة (يثرب)، إلا أنه أصبح منذ جهره بدعوة الإسلام موضوع جدال وإنكار من الكافرين الجاحدين لدعوته، وقدوة يحتذى بها من المؤمنين القلائل المصدقين الذين كانوا يلقون العَنَت والعذاب من زعماء مكة لإجبارهم على الارتداد عن الإسلام.

واستمرت الشفافية تطبع حياته بالمدينة، حيث كان يعيش في فضاء محدود أقل اتساعا من فضاء مكة، قوامه بضعة أمتار تمتد ما بين بيته الصغير ومسجد المدينة محدود المساحة المفتوح، بلازمه طول اليوم وآناً من الليل المؤمنون برسالته من المهاجرين (القادمين من مكة) والأنصار (سكان المدينة الذين نصروا دعوته وعززوه)، ويراقب تحركاته الجاحدون، ولا يُعلم في هذه الفترة عنه أن أحدا من أنصاره وخصومه قد لاحظ عليه في حياته اليومية خللا في الذهن أو شذوذا في الخلق أو تناقضا في السلوك، أو اتصالا مشبوها أو تسترا في مكان ما للتزود بالمعلومات أو أخذ التوجهات من أي كان، بل الكل لاحظ فيه حياة رتيبة واضحة. كان الوحي يتنزل عليه خلالها بحضرة أصحابه وعامة المؤمنين، فينطق به كما أُنزِل عليه، ثم يمضي إلى تنفيذ أوامر الله واجتناب نواهيه حتى عندما كان ينزل عليه الوحي ليعاتبه الله على أمر فعله وينهاه عن ارتكابه، أو تنفيذه لقرار اتخذه ويأمره بتركه، أو ليتحدث بوضوح حديثا مباشرا عن حياته الخاصة أو حياة زوجاته، أو عن جوانب شتى من حياته الشخصية، أو ليعلمه ما يجهله، أو يلقنه ما هو في حاجة إليه من أعمال ومواقف وسلوكات وضوابط.

وقبل كل شئ، فإن ما يلفت النظر في شخصية محمد(ص) هو تصرفه دائما تصرف الإنسان كامل أوصاف الإنسانية، و القرآن ركز دائما على بشريته : "رسولا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق"، وعلمه أن يتحدث دائما عن نفسه كإنسان بصيغة الحصر : "قل إنما أنا بشر مثلكم" (الكهف س 18 الآية 110)، وأن يستبعد عنه كل صفات فوق صفات البشرية : "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملَك" (سورة الأنعام 6 الآية 50).

وعملا بذلك قال محمد (ص) مخاطبا المؤمنين برسالته : "لا تُطْروني كما أطْرَت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا أعبد الله ورسوله، فقولوا عبد الله ورسوله"، نافيا عن نفسه التأليه والتقديس، ومقتصرا على وصف العبودية، وهي عامة في البشر كافة، والرسالة وهي وظيفة وتكليف.

وركز على بشريته في خصوصياتها المادية فقال عن نفسه : إنه يصوم ويفطر، ويقوم بعض الليل (للصلاة) وينام، ويحب الطيب.

وعن أبي سعود قال : أتى النبي رجل فكلمه فجعل الرجل يرتعد، فقال له : "هَون عليك أنا لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد".

الجمعة 31 مارس 2023

الموافق 9 رمضان 1444

أفكار، آراء ومقترحات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي