الجمعة 27 سبتمبر 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

حقيقة الإسلام جدور الإسلام وشخصية رسوله (الحلقة 1)

 

بمناسبة شهر رمضان الكريم، ارتأينا في مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري، نشر بعض الحلقات من كتاب "حقيقة الإسلام" للأستاذ عبد الهادي بوطالب، هذه الحلقات ستنشر تباعا، ابتداء من اليوم.

جذور الإسلام وشخصية رسوله

جذور الإسلام

لفظ الإسلام يفيد الانقياد والإذعان، وهو مصدر فعل أسلم، ويعني إسلام العبد قيادته لله وحده.

وقد جاء في القرآن : "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه" (سورة البقرة (2) (الآية 112). كما جاء فيه :

  • ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل – (سورة الحج (22) (الآية 78).

وعلى ذلك، فالإسلام هو ديانة توحيد الإله الخالق الأوحد، وهو بذلك دين قديم منذ دعوة إبراهيم عليه السلام، لكنه لا يعني من انقياد العبد وإذعانه لخالقه إسلام الإرادة بالتواكل وتعطيل الفعل البشري بالاستسلام والتوقف عن التحرك، إذ كل إنسان مسؤول عن عمله الذي يتصرف فيه بإرادته، وإنما يعني الامتثال للأمر الإلهي والتعلق به ومحبة الله وطاعته. إن الإسلام بمعنى الانقياد لأوامر الخالق ونواهيه هو ما طبقه إبراهيم في امتثاله لأمر الله بذبح ابنه وبمبادرته إلى الشروع في التنفيذ، قبل أن يرشده الله إلى فداء ابنه بذبح الأضحية بديلا عن ذبح ابنه، فكان بذلك مسلما في الامتثال للأمرين معا. وعن ديانة الإسلام الإبراهيمية تفرعت الديانات الموحدة : اليهودية والنصرانية والإسلام الذي جاء به محمد عليه السلام.

وقد توصل إبراهيم إلى الإيمان بالله الواحد بعد التأمل، وعن طريق الوحي، والقرآن يذكر المراحل التي قطعها إبراهيم لمعرفة حقيقة التوحيد في آيات من سورة الأنعام (6) (الآيات 75-76-77-78-79) وتدرجه من مرحلة النظر في الكواكب، والقمر، والشمس، إلى اكتشاف الإله الواحد والانقياد إليه مسلما طائعا.

"وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين، فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين، فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئٌ مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين".

ووصل إبراهيم إلى درجة الإيقان أعلى درجات الإيمان، أي الإيمان الذي لا شك معه، ذلك أن الإيمان زيد وينقص، وفي القرآن : "ليزداد الذين آمنوا إيمانا". وفي الحديث تحدث محمد عليه السلام عن صاحبه الصديق أبي بكر بقوله : "لو وزن أبي بكر بإيمان الناس لرجح".

والديانات السماوية الموحدة متآخية ملتقية جميعها على جامع توحيد الإله الواحد، وكلها ديانات موحى بها فلا يمكن أن يكون بينها خلاف جوهري أو تناقض مفرق، وإنما يقوم بينها تنوع في نطاق الوحدة. وما دام الموحي المشرع واحدا، فلا يمكن أن يكون الموحَى به إلا واحدا.

وقد ركز القرآن على ثلاثة مبادئ أساسية :

المبدأ الأول : أن كل كتاب موحى به إلى رسول يأتي مصدقا لما نزل قبله من الكتب المنزلة.

فعن التوراة يقول في سورة المائدة (5) (آية 44) "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استُحفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء".

وعن موافقة الإنجيل للتوراة وعيسى لموسى يقول في سورة المائدة (5) (آية 46) : "وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة".

وعن عيسى يتحدث القرآن –في نفس السياق- فيقول في سورة الصف (61) (الآية 6) "وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة".

وعنه يقول أيضا في سورة المائدة (5) (الآية 46) : "وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة".

المبدأ الثاني : هو أن دعوة الإسلام –خاتمة الرسالات ومحمد خاتم النبيين- جاءت حاثة المؤمنين على التصديق بجميع الرسالات الموحدة السابقة والكتب المنزلة المتقدمة على دعوة الإسلام، وعلى عدم التفريق بين الرسل، وذلك في الآية الآمرة من سورة البقرة (2) (الآية 136) : "قولوا آمنا وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"، وجاء في القرآن كذلك : "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة (2) الآية 62).

وطبقا لذلك حفل القرآن في قصصه وأحكامه بذكر الأنبياء والمرسلين، وتقديمهم في صورتهم المشرقة الكاملة، وتمجيد أعمالهم، والتنويه برسالة من أوحي إليه منهم بوحي، فموسى كليم الله، وعيسى روح الله وكلمته، نفخ الله من روحه في فرج مريم فجاء من غير أب، كما جاء آدم من غير أب وأم.

وسورة مريم دفاع عن عفتها وطهارتها، وإشادة بوليدها صاحب المعجزات في نطقه في مهده ببراءة أمه، وفي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله، تلك المعجزات التي استمرت إلى أن رفعه الله وخلصه من القتل والصلب : "وما قتلوه وماصلبوه ولكن شُبه لهم" (سورة النساء (4) (الآية 157").

وكان الرسول محمد يقول : "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، الأنبياء إخوة من عَلات (أي أمهات مختلفات، ولكن من أب واحد) أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى نبي".

والمبدأ الثالث : هو أن الكتب المنزلة التي سبقت بعثة الرسول محمد عليه السلام كلها بشرت به، وأن أصحابها يعرفون ذلك، لكن بعضهم ينكر ما جاء فيها غطرسة وتعنتا لدينه السابق. ففي سورة الأعراف (7) (الآية 157) : "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم"، وقد جاء في سورة الصف (61 الآية 6) عن عيسى أنه قال و"مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"، وهو ما يطابق ما جاء في إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع على لسان عيسى عن الرسول القادم "إنه البارقليط"، والكلمة تعني محمدا أو الأحمد.

وكل ذلك يعني أن الرسالة الجديدة امتداد لسابقاتها ومصححة لما قضى بتصحيحه التطور البشري على يد محمد الذي يؤمن بالله وكلمته، أي جميع ما أنزل قبله.

وعلى ذلك فالإسلام لم يأت هادما للرسالات قبله ولا بانيا على أنقاضها. ففقهاء الإسلام أجمعوا على أنه عندما لا يوجد في النصوص الإسلامية ما يسد الفراغ التشريعي فإن "شرع من قبلنا شرع لنا".

وعلى أساس هذا الجامع المشترك بين ديانات أهل الكتاب جاءت رسالة محمد بأول نداء علني عالمي للحوار بين الديانات وتعايشها وتعاونها حول كلمة سواء، وذلك في سورة آل عمران (س3) (الآية 64) : "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله"، ومن أجل ذلك تبتدئ كلمة الشهادتين بنفي الشرك : "لا إله"، وتنتهي بالتوحيد "إلا الله".

وإن من بين مبررات تنوع هذه الديانات في ظل وحدتها تطور السياق التاريخي في ظل التعبير الطبيعي، نتيجة تطور الفكر البشري عبر القرون والسنين، وتقدم الاستعدادات الذهنية لتقبل الرسالة الجديدة (الإسلام) بفهمها واعتناقها عن تفكير وروية.

ولا شك أن الفترة التاريخية الفاصلة بين رسالات إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد سجلت تطورا بشريا كان لابد أن يسايره الإسلام.

من هنا نفهم كيف أن الإسلام اقتحم عدة مجالات كانت تتجنب الديانات قبله الخوض فيها، بحكم أن بعضها كان يعتمد مبدأ أن "يبقى ما لله لله وما لقيصر لقيصر".

على العكس من ذلك فالإسلام منذ البدء ظهر وامتد دينا ودنيا، أو كما قال نبيه : "الدين المعاملة"، أي مجموعة قواعد تنظم حياة الأفراد والجماعات، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، كما تنظم أسس التعاون بين الشعوب والدول، وتقنن مبادئ التعايش العالمي وقواعد السلام والحرب، أي بعبارة جامعة إنه نمط حياة، ولنقل بتعبير أصح : نمط حياتين : الحياة الدنيا، والحياة الأخرى، وهو يربطهما بتوازن محكم يوفق بين مقتضيات المادة والروح، بإعطاء كل منهما متطلباته عملا بمبدأ "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".

الخميس 30 مارس 2023

الموافق 8 رمضان 1444

أفكار، آراء ومقترحات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي