الاثنين 13 مايو 2024
العربية | Français ٰ
العربية | Français ٰ

شهادة أحمد بنسودة مستشار الملك الراحل الحسن الثاني

في السنتين الأخيرتين دعيت لندوات كان موضوعها ومحورها هو تكريم جملة من الشخصيات العلمية والوطنية البارزة، والحديث عن أعمالها والإشادة بأدوارها ومنجزاتها، وإبراز تأثيرها في الحياة الوطنية والسياسية والثقافية لوطننا.

والحق أن هذه سنة حميدة، مغربية قديمة. فقد كانت مثل هذه الندوات تقام في الماضي بحلة أخرى وكانت تتم بإحدى مناسبتين، الأولى أن يكون عالم من العلماء المرموقين قد ألف كتابا فيتسابق معاصروه ورفاقه  وتلامذته إلى تقريظ الكتاب، وذكر فضائل مؤلفه، وكان هذا نوعا من أنواع الإشهار للكتاب والتعريف بأهميته. أما المناسبة الثانية فهي عندما يختتم عالم مشهور تدريس وتفسير واحد من أمهات كتب التفسير أو الحديث أو الفقه، وكان ذلك يعرف بالختمة التي تأخذ طابعا عاما وشعبيا، فيقام بالمسجد احتفال  عادة ما يكون بعد صلاة  العصر يحضره جمع غفير، وتسبقه دعاية واسعة، ويستعد له الناس بما يليق من لباس حسن وتطيب. وفي ختام الحفل الذي يفتتحه العالم بآخر درس يلقي العلماء والطلبة خطبا وقصائد حول شخصية العالم وأسلوبه ومهارته، وحول موضوع درسه.

إن هذه الختمات كانت بحق ندوات علميةحفل بها تاريخ الجوامع ومجالس العلم في جميع أنحاء المغرب. وللأسف فإن هذا التراث الثقافي قد ضاع، غير أنه عندما ظهرت المطبعة الحجرية في فاس، وبعدها السلكية أخذ بعض العلماء يحرصون على طبع المقالات والمحاضرات والقصائد التي قيلت في هذه الختمة أو تلك، وتحتفظ المكاتب الخاصة والعامة بالكثير  منها.

وعندما نكب المغرب بالاستعمار، توقفت تلك الندوات، وبقي الأمر كذلك إلى ما بعد استرجاع المغرب لاستقلاله، وكدنا ننسى هذه السنة الجميلة الدالة على أصالة حضارية عريقة، ولكن والحمد لله فقد نهضت همة الغيورين فبدأت بعض الجمعيات الثقافية والاجتماعية، وبعض الكليات في جامعاتنا، تحيي  تلك السنة وتجددها،  وفي هذا الإطار يندرج لقاؤنا اليوم تكريما واحتفاء بأخينا الأستاذ عبد الهادي بوطالب، العالم، والأستاذ، والمثقف، والسياسي المرموق والوطني الأصيل.

إن لقاءكم هنا حول ومع الأخ الصديق عبد الهادي بوطالب للحديث عنه، وقراءة صفحات من سيرته العلمية والوطنية والسياسية، يعود بي إلى مرحلة مبكرة من علاقتي به قبل أكثر من نصف قرن، ففي أوائل عقد الثلاثينات كان لنا ما يشبه منتدى بمنزل صديقنا السيد عبد العزيز الجامعي بفندق اليهودي بفاس، كان المنزل كبيرا فسيحا وبه مكتبة عامرة، وذات يوم اقترحنا أن يتحدث كل واحد عن أحد أصدقائه من أعضاء المنتدى، ووجدت الفكرة من الجميع ترحيبا وحماسا، وقررنا أن نقترع، وكان من نصيبي أن أتحدث عن أخي عبد الهادي بوطالب، وأذكر أنني كتبت ثلاث صفحات، ولو أني احتفظت بتلك الصفحات للآن لقرأتها في جمعكم هذا، ولما زدت أو أضفت إليها شيئا. فبعد هذه الرحلة الطويلة التي قطعها أخي بوطالب في سيرته ومسيرته الموفقة، وقطعناها معا، أنا وهو، متشابكة أيدينا، ملتصقة مناكبنا ومتجاوبة متناغمة أفكارنا وأحلامنا، أجد أن ما كتبته عنه في تلك الأيام البعيدة ملخصا ومركزا لحياته، لطموحاته ومواهبه. فقد كتبت ما كتبت أولا، بناء على معرفة دقيقة وعميقة به وبدواخل نفسه، وثانيا فقد كنت في تلك الأيام مولعا باستحضار الأرواح على المائدة وبوسائل أخرى، أستنطقها المجهول مما مضى ومما هو آت، فكنت أمزج حديثي مع الناس وكتاباتي بين الحقيقة والتنبؤات. وها أنا أرى رحلة الصديق عبد الهادي بوطالب مطابقة بشكل كبير لما تنبأت به له.

تطلبون إلي أن أتحدث عنه، هذا بالنسبة لي صعب، وربما عسير، فعبد الهادي بوطالب حقا شخصية غنية، متنوعة، فكل جانب من حياته يستحق وقفة، ودراسة، وأرى أمامي نخبة من الجامعيين والأكاديميين لابد أن كل واحد منهم سيتحدث عن جانب من جوانب حياة وسيرة ونجاحات ضيفنا. بالنسبة لي فعبد الهادي بوطالب شريط طويل في ذهني، وأفكاري، يزخر بصوره، وحيويته. هذا الشريط عمره أكثر من نصف قرن، وعلى الرغم مما لحق ببعض أجزائه ولقطاته من تلف أو تقطيع أو تداخل واهتزاز، فإن ما أستطيع أن أستحضره منه طويل...طويل.

شهادات
السيرة الذاتيه

نبذة عن حياة الفقيد الأستاذ عبد الهادي بوطالب

رسالة وأهداف

مؤسسة عبد الهادي بوطالب للثقافة والعلم والتنوير الفكري

مقالات وندوات
مؤلفات
المركز الإعلامي