يورد عبد الله العروي في كتابه الأخير "المغرب والحسن الثاني"، في الصفحة 27، قولة كان الأستاذ عبد الهادي بوطالب يرددها على سمع المهدي  بن بركة، متنها "لا تترك المجال فارغا للحثالة"، بحيث يمكن أن يفهم من هذا الكلام أن الرجل، في قرارة نفسه، وخلافا لما يزعمه خصومه، كان بخدمته للقصر، يضع نفسه في خدمة الوطن، حتى لا يترك الحثالة، كما يسميهم، ينفردون بإذن الملك.

هذه، على الأقل، هي الصورة التي يحاول عبد الهادي بوطالب أن يرسمها لنفسه، فهو لم يختر أن يكون أستاذا للحسن الثاني، بل اختاره محمد الخامس لهذه المهمة، وأوشك أن يجبره على القيام بها، وخاض صراعا مريرا ضد وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري، الذي كان يستفرد بإذن الملك، وغادر المستشارية عندما أحس أن الملك لم يعد يقبل منه النصح، لكن عندما يسأل عن سنوات الرصاص، يقول، كما في آخر توقيع لكتابه "نصف قرن من السياسة"، إن الموضوع لم يطرح قط للنقاش أمامه.

ولم يكن العزم معقودا في البداية على تأليف كتاب رصين، يرصد التجربة السياسية والفكرية لرجل عايش أهم الأحداث التي عرفها المغرب منذ الثلاثينات من القرن الماضي، وشارك بطريقة أو أخرى في صنعها وتحديد المسار الذي أخذته، بقدر ما كانت النية تقتصر على إنجاز حوار صحفي في حلقات، لكن سرعان ما تطور هذا الحوار إلى عمل هام، التقت رغبة الأستاذ عبد الهادي بوطالب و"الأحداث المغربية" على نشره تعميما للفائدة.

كانت جلسات حوار ممتع ومفيد، تتم قبيل غروب شمس أيام متقاربة، بمنزل الأستاذ عبد الهادي بوطالب، بالقرب من شاطئ عين الذئاب بالدارالبيضاء، وتم تفريغ الحوار، ورتب تبعا لموضوعاته الرئيسية، وأزيلت الأسئلة وعوضت بعناوين رئيسية وفرعية، واحتفظ بصيغة المتكلم، ونقح الأستاذ بوطالب هذه المادة وصححها، وحذف منها وأضاف إليها، قبل أن تنشر على امتداد حوالي عشرين أسبوعا بجريدة "الأحداث المغربية".

ونحن نضع بين يدي القارئ هذا العمل المتواضع، نثير عناية الجميع إلى أهمية شهادات السياسيين والمثقفين والمفكرين المغاربة، الذين عايشوا أهم الأحداث التي حددَت ملامح المغرب الحالي، أو شاركوا في صنعها.

المختار عماري

المؤلف: عبد الهادي بوطالب

الطبعة الأولى : ماي 2005

مطبعة : دار النشر المغربية