إلى روحك أستاذي الجليل أهدي هذا الإصدار الجديد من سلسلة "أبحاث وأعلام"، هذا الإصدار الذي يضم العروض والتدخلات التي ألقيت خلال الأمسية الدراسية التكريمية للأعمال العلمية والفكرية والسياسية لأخينا العزيز الأستاذ سيدي عبد الهادي بوطالب، تلم الأمسية التي شاء القدر أن تتوج مسيرة نضال ثقافي مشترك، نضال ربع قرن من الومان تعاهدنا على خوضه منذ أن شاء القدر أن تصبح طالبتك التي كانت تتلمذ عليك في رحاب كلية الآداب رفيقة دربك، والمتفانية في خدمتك، والساهرة على المزيد من تألقك، نضال شكل لُحْمة توَاجُدنا فلم ندخر جهدا في الإقدام عليه بكامل الإخلاص تفانيا في خدمة الثقافة في هذا البلد الأمين الذي حباه الله بماض أثيل وقيادة ملك همام رائد للثقافة والفكر في أسمى معانيهما، ملك يجسد القدوة والمثل الذي يجب أن يحتدى به، نضال جندنا كل طاقاتنا وإمكانياتنا لربح رهانه زاهدين وفي الرفه والترف خدمة للثقافة الحق، ذلك أننا آمنا بأن الثقافة كالهواء والماء والكلإ والنار، حق مشاع بين الجميع، فلم نتردد في فتح أبواب بيتنا المتواضع على مصارعها ونجعل منه زاوية يؤمها كل المريدين من طلاب العلم ومحبيه، ومنتدى يستقبل أقطاب الفكر والإبداع في مختلف الاختصاصات احتفاءاً بهم، وتطارحاً وتدارساً معهم لما يعن في الساحة الفكرية، المحلية والعالمية، من مواضيع تستدعي التأمل والنقاش.

هكذا بلغت تلك الأمسية التي شرفت بمشاركة النخبة من رجال الفكر والأدب والسياسة للاحتفاء بالمفكر المناضل والسياسي الماهر سيدي عبد الهادي بوطالب ذروة ما شهدته "ندوة تمارة" من جلسات فكرية وأدبية.

كان من الممكن أن أستغرب ما أنبأتك به حاستك السادسة أن ذلكم الاحتفاء هو آخر عرس ثقافي تحضره في بيتك، أيها الفقيد الرائد، لو لم يكن إيماني راسخ بما تتميز به وتمتاز من صوفية روح وشفافية طباع وبراءة سلوك.

أخط هذه الكلمات فيحضرني انبهارك وإعجابك بانغماري الزائد على المعتاد في عمليات تنظيم تلكم الأمسية والتهيء لها، يحضرني خطابك لي آنذاك: "ماما، أراك فرحة جدا وأنت تهيئين لهذا الاحتفاء. وصيتي لك ورغبتي عندك هي أن تداومي ووحيدنا سيدي عادل، إن قدر الله أن أغيب عنكما -وإن كنت سأظل حاضرا معكما- على تنظيم هذه الندوات والجلسات الفكرية بنفس الحزم والإخلاص لتظل  "ندوتنا" موْئلا للمريدين ومعينا لكل رواد الثقافة ومحبيها، أريد أن تظلا هكذا ترفلان في أجواء الفكر والثقافة، أريد أن يظل هذا البيت بيت فكر وعلم للجميع بيت خدام الثقافة وسدنة الفكر الإنساني".

وقتها، أستاذي، تجذر في أعماقي بأن غيابك لن يكون سوى تأكيد لحضورك، فجددت العهد وآليت على نفسي بأن أتابع المسيرة بحول الله وتوفيقه وفاء لك وقياما بواجب أوقفت عليه حياتي منذ الصغر. وها أنذي، بعد الفاجعة، أطوي ووحيدي الزمان وأصارع الصعوبات للسير على النهج الذي خططناه.

فإلى روحك، سيدي، أقدم هذا الإصدار صلاة وصلة ملتمسة من اللخ جل علاه أن ينيلك ثوابه ويغمرك أجره.

وأنتم، أيها المفكر النابغة الأستاذ سيدي عبد الهادي بوطالب، لقد كنت وما تزال وستظل  نجما متألقا في عالمي الفكر والنضال، شاهرا قلمك وحنكتك السياسية لرفع راية أمتك العربية الإسلامية مشرقا ومغربا. لقد فزت بتقدير زملائك ومحبيك وبانبهار جيل يرى فيك النموذج والقدوة، ونلت من أفضال ملكك، عاهلنا المفدى الحسن الثاني دام له النصر والتأييد، ما أنتم أهل له تُوِّجَ بإنعام جلالته عليك وتشريفه لك بتعيينك عضوا مع زملائك الخالدين في رحاب أكاديمية المملكة النغربية التي ترفل تحت رعايته السامية، فازداد تألقك الفكري، وانضمت إلى عقد لآلئك جوهرة الصدارة لتشدو أنغام سامفونية التنظير والتأليف والنضال المتزن.

إليك، أخي العزيز وأستاذي الفاضل، وإلى أسرتكم الكريمة المحفوفة برعاية الله وحفظه أتقدم بهذه الجهود المتواضعة رمز تقدير من أرملة أخيكم الفثيد سيدي محمد عزيز الحبابي تغمده الله بواسع رحمته، ورمز وفاء من "ندوة تمارة" التي لا يفوتها أن تتقدم بشكرها الخالص لأمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية أخينا الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بربيش، وأخينا العلامة الأستاذ الدكتور عبد الهادي التازي على السماح لها بضم خطاب استقبالكم في رحاب الأكاديمية الغراء إلى هذا الإصدار تشريفا له وتعميما للاستفادة والفرحة بالحدث.

إليكم رواد "بيت آل محمد عزيز الحبابي"، وإلى كل المتعاطفين معه، وإلى كل القراء أهدي هذا الإصدار آملة أن يكون شاهدا على تقديرنا للعلم والعلماء، واعترافنا بالفضل لذويه، ورغبتنا في تمكين الأجيال القادمة من التعرف على أحد رواد النهضة الفكرية الحديثة وبناة صرحها السياسي الشامخ في مغربنا المعاصر العلامة سيدي عبد الهادي بوطالب أمد الله في عمره. والله ولي التوفيق.

1995